كتاب الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

خامسا: إن في موقف العز بن عبد السلام من الملك الصالح أيوب صاحب مصر درسا لمن لا يخشى إلا الله تعالى فقد استضاف الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الملقب بالعز بن عبد السلام الملك الصالح أيوب حيث نزل الشيخ ضيفا عنده في مصر بعد أن طرد الشيخ من الشام، وفي يوم من الأيام كان الملك أيوب في محفل من المحافل، قد أحاط به الأمراء والحكام ورجال الجيش وسراة الحاشية، وأقبل الناس عليه يقبلون يديه ويحنون له الهامات ويطأطئون له الرءوس في موكب يشعر بالذلة والخضوع لغير الله فخرج العز بن عبد السلام يشق الصفوف المتراصة ويفري الجموع المحتشدة ليهتف في وجه الملك في قوة المؤمن وعزم الموحد لم تباع الخمور في عهدك وأنت ساه لاه في هذه الأبهة وهذا النعيم؟ وما كان للسلطان إلا أن يعتذر في رفق، ويجيب في لين أنا ما علمت بهذا .. لعله من زمان أبي فيعيد العز بن عبد السلام قولته أشد مضاء من سابقتها فيقول: ما زدت عن كونك من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف: 23] فيأمر السلطان بإغلاق تلك الخمارة فيسأل الشيخ رجل من خاصته ممن أدهشتهم جرأة الشيخ في الحق أمام هذه الجموع فيقول: أما خفته؟ فقال الشيخ: والله يا بني .. لقد استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان أمامي كالقط الصغير (¬1).
سادسا: موقف الشيخ ابن تيمية رحمه الله وهو في السجن حيث كتب إليه بعض إخوانه يشيرون عليه بالموافقة والمجاراة والمداهنة لخصومه ليتخلص من السجن فقال في رسالة رد بها عليهم قوله: أما بعد فقد وصلت الورقة التي ذكر فيها الشيخان الناسكان، ما ذكرا، جعلهما الله من الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان، وعلموا أن الله ناصر حزبه ومنجز وعده، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، ولكن بما اقتضت.
¬__________
(¬1) انظر الإيمان وأثره في نهضة الشعوب، يوسف العظم (59 - 62).

الصفحة 419