كتاب الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 2)

أما من انحرف عن الإسلام انحرافًا يوجب الكفر والخروج عن الإسلام فهذا يعادي معاداة الكافرين المحاربين لله ورسوله والمؤمنين؛ لأنه مرتد، سواء كانت ردته قولية أو فعلية أو اعتقادية.
وإن كان الانحراف عن الإسلام لا يوجب كفر المنحرف وإنما يستحق أن يوصف بانحرافه بالفسق والعصيان، فإن واجب المسلم أن ينظر إلى مقدار ما مع الشخص أو الجماعة من خير وشر، فإن رجح الخير على الشر، رجحت محبته ومودته على بغضه وعداوته، وإن كان العكس رجح جانب البغض والعداوة على جانب المحبة والمودة، وإن تساوى ما فيه من خير وشر تساوى حبه وبغضه، وخلاصة ذلك أن الإنسان يُوالي على قدر ما معه من الحق ويُعادي على قدر ما معه من الباطل، بشرط أن لا يكون ذلك خاضعًا لأغراض شخصية ومنافع خاصة، وإنما يجب أن يتخذ هذا الموقف من منطلق الحب في الله والبغض في الله مجردًا عن أي اعتبارات مادية أخرى، وإن كان هناك عوامل تزيد الموالاة وتقويها مثل القرابة في النسب والجوار، والعمل ولكنها تابعة للولاءة في الله لا متبوعة، وطريقة التعامل مع من لم يظهر إلا الطاعة، أو لم يظهر إلا الكفر والفجور واضحة لا غبار عليها، وإنما الذي يشكل على بعض الناس إذا خلط الإنسان بين الطاعات والمعاصي وجمع الشخص الواحد أو الجماعة بين المتضادات والمتناقضات فكيف يعامل؟ وكيف يجمع له بين الموالاة والمعاداة!
والجواب: أنه مهما اجتمع في شخص واحد خصال تحب بعضها وتكره البعض الآخر، فإن هذه الخصال لا بد أن تتفاوت في الخير والشر، حسب أهميتها وكثرتها، فمن ترك الواجبات ما يكون كفرًا صريحًا، ومنها ما يكون كبيرة من كبائر الذنوب، ومنها ما هو من صغائر الذنوب، وفعل المحرمات بهذا الترتيب كذلك، فلكل مرتبة حقُها من الموالاة والمعاداة، فالمسلم تحبه لإسلامه، ثم يزاد الحب ويقوى كل ما يزداد تمسكه وعطاؤه للإسلام والمسلمين، وتبغضه لمعصيته وتزداد العداوة كل ما زاد في عصيانه

الصفحة 458