كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
إن ذلك هو المراد بها فلا يدل الحديث عليه ولكن الآية دلت على أن هذا الآخذ من بني آدم لا من آدم وأنه من ظهورهم لا من ظهره وأنهم ذرياتهم أمة بعد أمة وأنه إشهاد تقوم به الحجة له سبحانه فلا يقول الكافر يوم القيامة كنت غافلا عن هذا ولا يقول الولد أشرك أبي وتبعته فإن ما فطرهم الله عليه من الإقرار بربوبيته وأنه ربهم وخالقهم وفاطرهم حجة عليهم ثم دل حديث عمر وغيره على أمر آخر لم تدل عليه الآية وهو القدر السابق والميثاق الأول وهو سبحانه لا يحتج عليهم بذلك وإنما يحتج عليهم برسله وهو الذي دلت عليه الآية فتضمنت الآية والأحاديث إثبات القدر والشرع وإقامة الحجة والإيمان بالقدر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها بما يحتاج العبد إلى معرفته والإقرار به معها وبالله التوفيق.
الباب الثالث: في ذكر احتجاج آدم وموسى في ذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم لآدم صلوات الله وسلامه عليهم.
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى" وفي رواية "كتب لك التوراة بيده" وفي لفظ آخر: "تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى فقال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة فقال آدم أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته قال نعم قال أفتلومني على أمر قدر على قبل أن أخلق"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى فقال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت الذي أخرجتنا خطيئتك من الجنة" وذكر الحديث متفق على صحته وهذا التقدير بعد التقدير الأول السابق بخلق السماوات بخمسين ألف سنة، وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك وقال لو صح لبطلت نبوات الأنبياء فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذا صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه وهذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته فإن هذا حديث صحيح متفق على صحته لم تزل الأمة تتلقاه بالقبول من عهد نبيها قرنا بعد قرن وتقابله بالتصديق والتسليم ورواه أهل الحديث في كتبهم وشهدوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله وحكموا بصحته فما لأجهل الناس بالسنة ومن عرف بعداوتها وعداوة حملتها والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة حشوية وهذا الشأن ولم يزل أهل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصفحة 13
310