كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} قال: "الذين يقولون إن الله على كل شيء قدير وهذا من فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها ولو كانوا يقرون فمنكرو القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بها على وجهها ومنكرو أفعال الرب القائمة به لا يقرون بها على وجهها بل يصرحون أنه لا يقدر على فعل يقوم به ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء لا يقر بأن الله على كل شيء قدير ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة وأنه إن شاء يقيم القلب أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه لا يقر بأن الله على كل شيء قدير ومن لا يقر بأنه استوى على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وأنه نزل إلى الشجرة فكلم موسى كلمه منها وأنه ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة حين تخلو من سكانها وأنه يجيء يوم القيامة فيفصل بين عباده وأنه يتجلى لهم يضحك وأنه يريهم نفسه المقدسة وأنه يضع رجله على النار فيضيق بها أهلها وينزوي بعضها إلى بعض إلى غير ذلك من شؤنه وأفعاله التي من لم يقر بها لم يقر بأنه على كل شيء قدير بأنه على كل شيء قدير" فيا لها كلمة من حبر الأمة وترجمان القرآن وقد كان ابن عباس شديدا على القدرية وكذلك الصحابة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
الباب العاشر: في مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر
وهي أربع مراتب المرتبة الأولى على الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها المرتبة الثالثة مشيئته لها الرابعة خلقه لها، فأما المرتبة الأولى: وهي العلم السابق فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة وخالفهم مجوس الأمة وكتابته السابقة تدل على علمه بها قبل كونها وقد قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} قال مجاهد علم من إبليس المعصية وخلقه لها وقال قتادة كان في علمه أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة وقال ابن مسعود: "أعلم ما لا تعلمون من إبليس" وقال مجاهد أيضا: "علم من إبليس أنه لا يسجد لآدم" وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وفي المسند من حديث لقيط بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فقال: ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله وأشار بيده فقلت: ما هن قال علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم المنى حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه وعلم ما في غد قد علم ما أنت طاعم ولا تعلمه وعلم يوم الغيث يشرق عليكم مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم إلى قريب قال لقيط لن نعدم من رب يضحك خيرا وعلم يوم الساعة" وقد تقدم حديث علي المتفق على صحته: "ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد علم مكانها من الجنة أو النار" وقال البزار حدثنا محمد بن عمر بن هياج الكوفي ثنا عبيد الله بن موسى ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن
الصفحة 29
310