كتاب تفسير العثيمين: غافر

وهناك نَشْر للعِلْم بطَريق خَفيٍّ، يَخفَى على طالِب العِلْم، أو على كثير من طلَبة العِلْم، ألَا وهو نَشْر العِلْم عن طريق العمَل به، كثيرًا ما يَرقُب النَّاس هذا العالِمَ، ويَرَوْن ماذا يَصنَع، فيَقتَدون به، قال بعض الناس: إنه كان يُصلِّي. فقال بعض الذين شاهَدوه: إنَّك تَفعَل كذا وكذا في صلاتِك. فانظُرْ كيف كان الناس يُراقِبون أَفعال طالِب العِلْم من أَجْل أن يَقتَدوا به، وهذا من طريق نَشْر العِلْم، بل قد يَكون هذا من أَبلَغِ الطُّرُق التي يَتَأثَّر بها الناس؛ لأنَّ تَأثُّر الناس بالفِعْل قد يَكون أَشدَّ وأقوَى من تَأثُّرهم بالقَوْل؛ ولهذا بمرِّر ما أَسلَفْناه من أنَّ طالِب العِلْم لا يَكون فَقيهًا إلَّا إذا عمِل بعِلْمه، وإلَّا فهو قارِئ وليس بفِقيهٍ.
وبهذه المُناسَبة أَوَدُّ أن أَحُثَّكم على مَكارِم الأخلاق، من: السَّماحة، وبَذْل السَّلام، وبَذْل المَعروف، والتَّسامُح فيما بينكم، ومُلاقاة الناس بالبِشْر، وطلاقة الوَجْه، فقد كان من صِفات النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان دائِم البِشْر كثير التَّبسُّم، صلَواتُ الله وسلامه عليه؛ دائِم البِشْر لا تَجِده مُنغلِقًا ولا مُكفَهرًّا، كَثير التَّبسُّم في مَحلِّه، فلنا فيه صلوات الله وسلامه عليه أُسوة حسَنة؛ قال الله تعالى فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤].
وممَّا يَنبَغي لطالِب العِلْم أن يَحفَظ وَقْته عن الضَّياع، وضَياع الوقت يَكون بأسباب، أو يَكون له وُجوهٌ:
الوجهُ الأوَّل: أن يَدَع المُذاكَرة ومُراجَعة ما قرَأ.
الوجه الثاني: أن يَجلِس إلى أصدقائه، وأَحِبَّائه، وَيتحدَّث معهم بحَديث لَغو، ليس فيه فائِدة.
الوَجْه الثالِثُ: وهو أَضَرُّها على طالِب العِلْم، ألَّا يَكون له همٌّ إلَّا تَتبُّع أقوال

الصفحة 14