كتاب تفسير العثيمين: غافر

الناس، وما قيل وما يُقال، وما حصَل وما يَحصُل في أمر ليس مَعنِيًّا به، وهذا لا شَكَّ أنه من ضَعْف الإسلام؛ لأن النَّبيَّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: "مِنْ حُسْن إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ" (¬١).
والاشتِغال بهذا القِيلِ والقال وكَثْرة السُّؤال مَضيَعة للوقت، وهو في الحقيقة مرَض إذا دبَّ في الإنسان - نَسأَل الله العافِية - صار أكبَرَ هَمِّه، ورُبَّما يُعادِي مَن لا يَستَحِقُّ العداء، أو يُوالي مَن لا يَستَحِقُّ الوَلاء، من أَجْل تَشاغُله في هذه الأُمورِ، التي تَشغَله عن طلَب العِلْم، بحُجَّة أنه يَقول له فِكْرة. هذا من باب الانتِصار لصاحِب الحَقِّ، وليس كذلك، بل هذا من إِشْغال النَّفْس بما لا يَعنِي الإنسان.
أمَّا إذا جاءك الخبَرُ بدون أن تَتَلقَّفه، وبدون أن تَطلُبه، فكل إنسان يَتلقَّى الأخبار، لكن لا يَنشَغِل بها، لا تَكُون أكبَرَ همِّه؛ لأن هذا يَشغَل طالِب العِلْم، ويُفسِد عليه أمرَه، وَيفتَح في الأُمَّة باب الحِزْبية والوَلاء والبَراء، فتَتَفرَّق الأُمَّة فنَسأَل الله تعالى أن يُوفِّقَنا وإيَّاكم لما فيه الخَيْر والصَّلاح، وأن يَجمَع القُلوب على طاعته، وَيرزُقنا عِلْمًا نافِعًا، وعمَلًا صالِحًا، ورِزْقًا طيِّبًا واسِعًا يُغنينا به عن خَلْقه.
فإن قال قائِل: كثير من المَشايخ يَهتَمُّون بالعِلْم ويُهمِلون فِقْه الواقِع، وكثير من الطُّلَّاب يُنكِرون إنكارًا شديدًا على مَن اهتَمَّ بالواقِع وَيقولون: العِلْم قال الله قال الرسولُ.
فالجوابُ: النَّاس في كل أُمورهم يَنقَسِمون إلى ثلاثة أقسام: طرَفان ووسَط، طرَف مُفرِّط، وطرَف مُفرِط، ووسَط. من الناس مَن يَشتَغِل بما يُسمُّونه فِقْه الواقِع،
---------------
(¬١) أخرجه الترمذي: كتاب الزهد، رقم (٢٣١٧)، وابن ماجه: كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، رقم (٣٩٧٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 15