كتاب تفسير العثيمين: غافر

محُاوَلة تَطبيق الشَّريعة في الناس، ومع ذلك هم صبَروا واحتَسَبوا حتى ظهَر الحَقُّ، ولله الحمدُ.
فتَطبيق الشَّريعة ليس مَعناه أن طالِب العِلْم إذا نَوى تَطبيق الشَّريعة وحِمايَتها، أنه يَستَطيع ذلك، قد لا يَستَطيع، لكن هو يَنوِي هذا، ويَجعَل طلَبه للعِلْم مُركَّزًا على هذه النِّيَّةِ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يُيَسِّر له الأمر، ثُم إذا أُوذِيَ في الله، فهو رِفْعة لدرَجاته، ورِفْعة لِذكْره، لو تَأمَّلت مَن أكثَر الناس إيذاءً من العُلَماء لوَجَدْت أنهم العُلماء الكِبار هم الذين يَلحَقهم الأذى من حَبْس وضرْب وإهانة، وربَّما قَتْل، فيَكون هذا من رِفْعة الله لهم.
مسألة: ما هي العُلوم التي يَحسُن لطالِب العِلْم البَدْء بها؟
الجَوابُ: نرَى أن أهمَّ المهمَّات هو العِلْم بهذا الكِتابِ العَزيز، كِتاب الله قبلَ كل شيء، لأن الصَّحابة - رضي الله عنهم - لا يَتَجاوَزون عَشْر آيات حتى يَتَعلَّموها وما فيها من العِلْم والعمَل، ثُمَّ العِناية بما صحَّ من السُّنَّة، ثُم العِناية بما كتَبَه أهل العِلْم وأَخَذوه من هَذين المَصدَرين الأساسين، الكِتاب والسُّنَّة، ولا يَعنِي إذا قُلنا: إنَّك تَحرِص على مَعرِفة كلام الله، وكلام رسوله، أن تُعْرض عن كُلِّ شَيءٍ، لا بُدَّ أن نَنْتَفِعَ بأفْكَارِ العلماء الذين كرَّسوا جُهودَهم لخِدْمة العِلْم، وإلَّا لضِعْنا؛ ولهذا كتَب العُلَماء رَحِمَهُمْ اللَّهُ في أُصول الفِقْه، وفي أُصول الحديث، وفي قَواعِد الفِقْه، وفي قَواعِد التَّحديث، وغير ذلك من أَجْل الضَّبْط؛ حتى يَنضَبِط الناس وَيكونوا ماشِين على قَواعِدَ معلومةٍ.
فإن قال قائِل: حِفْظ المُتون فيه صُعوبة، بعض الناس يَقول: أنا أُكرِّر مَسائِلَ مرَّاتٍ، وأَفهَمها وأَكتَفِي بذلك عن حِفْظ المُتون، حِفْظ المُتون مِثْل الفِقْه مثَلًا يَقول: هذه إنما كَلام أُناس نحن نَأتِي بمِثْله، فما رأيُك؟

الصفحة 17