كتاب تفسير العثيمين: غافر

فالجوابُ: أنا رَأْيِ أنَّ حِفظ المُتون هو الأساس، وما انتَفَعْت بشيء من انتِفاعي بما حَفِظت من الكتُب؛ لأنَّ حِفْظ المَسائِل يُطيل إلَّا مَسائِلَ تَتكرَّر على الإنسان يَوميًّا فهو لا يَنساها من قِبَل العمَل، فحِفْظ المُتون هو العِلْم في الواقِع، وكونه صعبًا على بعض الناس هذا صَحيح، فبعضُ الناس يَصعُب عليه جدًّا أن يَحفَظ، تَجِده يُكرِّر المَتْن تَكرارًا كثيرًا، ولكِن لا يَحفَظه، لكِنِ احرِصْ على هذا، وكُلَّمَا تَقدَّمتِ السِّنُّ بالإنسان قوِيَ فَهمُه وضَعُف حِفْظه، يَعنِي: فَهمه يَقوَى وَيتفتَّح عليه من الفُهوم ما لم يَكُن يَعرِفه من قَبلُ، لكن يَقِلُّ حِفْظه؛ ولهذا نَنصَح الشابَّ إلى الحِفْظ، وأوَّل ما يَجِب أن يُحفَظ هو كِتاب الله، الذي هو أساس كلِّ شيء.
فإن قال قائِل: هل يُنصَح طالِب العِلْم أن يَسير في فنٍّ من الفُنون مثل فَنِّ الفِقْه، أو أنه يَتنقَّل في الفُنون من فَنِّ العَقيدة إلى فَنِّ الفِقه؟
فالجوابُ: العُلوم ليسَتْ سواءً، بعضُها أهمُّ من بعض؛ فأنت كَرِّس جُهودك على الأهَمِّ، ولا تَخلُ نَفسُك من العُلوم الأخرى المُسَانِدة للأهَمِّ، يَعنِي مثَلًا: رجُل قال: أَنا أَهوَى النَّحو، أُكرِّس جُهودي على النَّحو ولا أَتعرَّض لغير هذا. نَقول: غلَط، كَرِّس جُهودك على ما تَهواه نَفْسك؛ لئَلَّا يَضيع عليك الوَقْت؛ لأنَّ الإنسان إذا حاوَل أن يُرغِم نفْسَه في دِراسة شيء لا يَختاره سيَضيع عليه الوقتُ، لكن لا تَنْسَ العُلوم الأُخرى.
وكذلك أيضًا لا تُكثِر على نَفْسك من العُلوم؛ لأن كَثْرة العُلوم تُضعِف الإنسان في هِمَّته، وفي فَهْمه والَّذين درَسوا في المَدارِس النِّظامِية يَعرِفون هذا، تَجِد مثَلًا المَعاهِد أو المدارس الثانويَّة تَجِد فيها مثَلًا خمسَ عشْرَةَ مادَّةً تَضيع على الإنسان، لو أَرَدْت أن تَبحَث معه في شيء عَميق من المَوادِّ التي درَسها ما وجَدْت

الصفحة 18