كتاب تفسير العثيمين: غافر

بل ما أَكثَرَ الأحاديثَ المَوْضوعةَ المَكْذوبة على الرسول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ لأنَّ الأهواءَ كثُرَت، فصار مَن لا يَخاف الله يَضَع ما شاء من الأحاديث، وَينسُبها للرسول - صلى الله عليه وسلم -، تَحتاج السُّنَّة إلى عِناية كَبيرة في ثُبوت صِحَّتها عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
أمَّا القُرآن فلا يَحتاج إلى هذا؛ لأنه ثابِت بالنَّقْل المُتواتِر الذي يَنقُله الأصاغِر عن الأكابِر؛ فالعِناية بالكِتاب والسُّنَّة هو أهمُّ شيء، لكن لا يَعنِي ذلك الإعراضَ عمَّا كتبَه العُلَماء، لا بُدَّ من الاستِعانة بآراء العُلَماء، وكيفية استِنْباطهم للأحكام من القُرآنِ والسُّنَّة.
ويَنبَغي أن نُلِمَّ بشَيْء من قَواعِد التَّفسير، فنَقولُ:
أوَّلًا: التَّفْسير مَأْخوذ من الفَسْر، فسَرَتِ الثَّمَرَةُ عن قِشْرِها، أيِ: اتَّضَحت وبانَت، وهو عِبارة عن تَوضيح كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، والتَّفسير يُراد به التَّفْسير اللّفْظيُّ، يَعنِي: أن تُفسِّر اللَّفْظة بقَطْع النَّظَر عن سِياقها، ويُراد به التَّفْسير المَعنَويُّ، بأن تُفسَّر اللَّفْظة بحَسب سِياقها، فمثَلًا قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠]، إذا فسَّرنا القُوَّة التَّفسير اللفظيَّ، صار مَعناها ضِدَّ الضَّعْف، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ" (¬١)، وعلى هذا فنَقول: مَعنَى القُوَّة ضِدُّ الضَّعْف، هذا باعتِبار اللَّفْظ، والمُراد بها الرَّميُ، هذا باعتِبار المَعنَى المُراد.
ومثله أيضًا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦]، الزِّيادة مَعناها: الفَضْل، زِيادة الشيء على الشيء، هذا من حيثُ اللَّفْظ؛ لكن المُراد النَّظَر إلى وَجْه الله عَزَّ وَجَلَّ كما فسَّره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل الرمي، رقم (١٩١٧)، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.

الصفحة 20