كتاب تفسير العثيمين: غافر

كَمال حال إحداثه، وليس كَمالًا حالَ عدَمه؛ لأن الله تعالى مُتَّصِف بالكَمال، ففي حال عدَمه لا يَكون كمالًا، وفي حال وُجوده يَكون هو الكَمال، وهذا واضِح، فِعْل الإنسان أحيانًا يَكون مُناسِبًا وفي مَحلِّه، وأحيانًا يَكون غير مُناسب وتَكون الحِكْمة ألَّا يَفعَله.
وبذلك نَعرِف أن الرُّجوع إلى العَقْل فيما يَتَعلَّق بالله باطِل وضَلال؛ لأن العَقْل قد يَزِلُّ وقد يَهن، فالرُّجوع فيما يَتَعلَّق بالله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى الكِتاب والسُّنَّة، لا ثالِثَ لهما، اللَّهُمَّ إلَّا أن يُقال: إجماعُ السلَف أيضًا يُرجَع إليه، فيَكون مَصدَر التَّلقِّي في العَقيدة وفيما يَتعلَّق بذات الله -عَزَّ وَجَلَّ- وبأسمائه وصِفاته ثلاثة: القُرآن، والسُّنَّة، وإجماع السَّلَف، لكننا نَقول: لا حاجةَ إلى قول إجماع السَّلَف؛ لأن إجماع السَّلَف لا يَكون إلَّا عن كِتاب أو سُنَّة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: تَهديد هؤلاءِ المُشرِكين الذين كذَّبوا الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} ووَجهُ التَّهديد أن عُلماء البلاغة يَقولون: إن (إذا) تُفيد وقوعَ الشَّرْط في المُستَقبَل، كما إذا قلت لك: إذا جاء زَيْدٌ فأَكرِمْه. تَفهَم من هذا أن زيدًا سوف يَأتِي، لكنه بشَرْط أن يكون مُتأخِّرًا، بخِلاف (إِنْ)، فإن (إِنْ) شَرْطية لكن للمُحتَمَل: إن جاء زيد فأَكرِمْه. إذْ مجَيئُه ليس محُقَّقًا، لكن: إذا جاء فأكَرِمه، يَكون المَجيءُ محُقَّقًا، لكنه مَربوط بزمَن مُستَقبَل. هذه {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} تُفيد أن أَمْر الله لا بُدَّ أن يَأتِيَ.
وأَمْر الله يَنقَسِم إلى قِسْمين: كَونيٍّ، وشَرعيٍّ؛ فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] شَرْعيٌّ، وليس كونيًّا؛ لأنه لو كان كونيًّا لكان كل الناس يُؤدُّون الأمانة إلى أهلها، إِذَنْ هو شَرعيٌّ؛ وقوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ

الصفحة 531