كتاب تفسير العثيمين: غافر

لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} كَونيٌّ، فصار الأَمْر الآنَ يَكون كونيًّا وَيكون شرعيًّا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أن ما قضَى الله تعالى من عِقاب أو عَذاب فإنه حَقٌّ؛ لقوله: {قُضِيَ بِالْحَقِّ} وعلى هذا يَنتَفِي بذلك أن يَكون الله تعالى ظالِمًا لمَن عاقَبه.
فإن قال قائِل: ألَيْسَت العُقوبة تَنزِل بالأُمَّة وفيهم الصالحِون؟
فالجَوابُ: بلى، تَنزِل العُقوبة على الأُمَّة وفيهم الصالحِون؛ لكنها تَكون عُقوبة على المُسيء ورِفْعة درَجات وتَكفير سَيِّئات على الصالِح؛ ولهذا لمَّا قالت إحدى أُمَّهات المُؤمِنين: أَنَهْلِكُ وَفينا الصالِحُونَ؟ قال: "نَعَمْ، إِذَا كثُرَ الخَبَثُ" (¬١) فإذا غلَب الخَبَثُ على الطَّيِّب حلَّت العُقوبة على الجميع.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أن المُبطِل خاسِر إذا نزَل به العَذاب؛ لقوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} وإذا كان المُبطِل خاسِرًا فالمُصلِح رابح؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: ١١٧]؛ ولهذا إذا كان الأَهْل مُصلِحين فإن الله لا يُهلِك الأُمَّة، لكن إذا كانوا صالحِين فقَدْ تَهلِك الأُمَّة إذا كثُر الخَبَث، وهذه نُقطة قد لا يَتَفطَّن لها كثير من الطلَبة، انتِفاء الإِهْلاك إذا كان الأهل مُصلِحين ومحُاوِلين للإصلاح، أَمَّا إذا كانوا صالحِين فإنه قد يَقَع الإهلاك إذا كثُرَ الخَبَث، أمَّا مع الإصلاح ولو كثُرَ الخَبَث ما دامَتِ الأُمَّة تُحاوِل الإصلاح وتَسعَى به فإنها لن تَهلِك، وهذه نُقْطة -كما قُلت لكم - قد لا يَتَفطَّن لها كثير من الناس، نَسأَل الله أن يُصلِح أحوالَنا وأحوالَكُم.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب يأجوج ومأجوج، رقم (٧١٣٥)، ومسلم: كتاب الفتن، باب اقتراب الفتن، رقم (٢٨٨٠)، من حديث زينب بنت جحش - رضي الله عنها -.

الصفحة 532