كتاب تفسير العثيمين: غافر

مُقدَّر بعد الهَمْزة يَكون المَعنَى: أَغفَلوا فلَمْ يَسيروا في الأَرْض.
وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي: على الأَرْض؛ لأن {فِى} للظَّرْفية، ولو جعَلنا {فِى} للظَّرْفية في هذا السِّياقِ لكان مَعنى الآية: أن يَدخُلوا في جوف الأَرْض، وهذا غير مُرادٍ قَطْعًا، فتكون {فِى} بمَعنَى (على)؛ كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] أي: مَن على السَّماء، وليس المُراد أن الله في جَوْف السماء؛ لأن ذلك مُستَحيل فقد وَسِع كُرسِيُّه السمَواتِ والأرضَ.
وقوله: {فَيَنْظُرُوا} الفاء عاطِفة على {يَسِيرُوا} وعلى هذا يَكون المَعنى: أَفلَمْ يَسيروا فلَمْ يَنظُروا. ويُحتَمَل أن تَكون مَنصوبة بعد فاء السبَبية؛ أي: انتَفَى سَيْرهم {فَيَنْظُرُوا}، كما تَقول: لم تَزَرْني فأُكْرِمَك ... وما أَشبَه ذلك من الكلام.
وقوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ} {كَيْفَ} هَذه اسمُ استِفْهام، وهي محَلُّ نَصْب خَبَر {كَانَ} مُقدَّمًا، و {عَاقِبَةُ} اسمُها. {عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ}، والعاقِبة ذكَرها الله تعالى في سورة القِتال في قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: ١٠].
هذا هو فائِدة النَّظَر: أن هَؤلاء القَوْمَ المُكذِّبين كانوا أشَدَّ من هَؤلاء قُوَّةً، ومع ذلِك دمَّرهمُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} أي: في العدَد. {وَأَشَدَّ قُوَّةً} أي: في الكيفية. فصاروا مُتمَيِّزين عنهُم في العدَد والكَيْفية.
{وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} يَعنِي: من العُمران والقُصور وغيرها، ومع ذلك لم تَنفَعْهم هذه الكَثرةُ ولا هذه القُوَّةُ، قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أي: المَصانِع والقُصور]، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (ما) نافِية، و {أَغْنَى} فِعْل ماضٍ {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (ما) اسم مَوْصول فاعِل {كَانُوا يَكْسِبُونَ} صِلة المَوْصول، ويُحتَمَل أن

الصفحة 544