كتاب تفسير العثيمين: غافر

قال تعالى: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} {سُنَّتَ} يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [نَصبُه على المَصدَر بفِعْل مُقدَّر من لَفْظه] {سُنَّتَ} بمَعنَى: طَريقة؛ أي: هذه طَريقةُ الله، و {سُنَّتَ} في مِثْل هذا التَّركيبِ يَجوز أن تَكون مَرفوعة؛ أي: "سُنَّة الله" على أنها خَبَر مُبتَدَأ مَحذوف؛ أي: هذه سُنَّة الله، ويَجوز أن تَكون مَنصوبة، والمفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يَقول: إنها مَنصوبة على المَصدَر بفِعْل مُقدَّر من لَفْظه؛ أي: سَنَّ الله بهم سُنَّة الله، ويَجوز أن تَكون مَصدَرًا عامِله محَذوف، لكنه مُقدَّر من الجُمْلة التي قَبلَه؛ لأن هذه العِبارةَ بمَعنَى ما قَبلَها تمامًا، يَعنِي: سُنَّة الله، بمَعنَى ما قبلَها وهي أَخْذُ المُكذِّبين بالعَذاب، فتكون مَنصوبة بمَضمون الجُمْلة لا بفِعْل مُقدَّر، وما ذكَرَه المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ وَجهٌ لا شَكَّ، والمُهِمُّ أن السُّنَّة بمَعنَى: الطريقة، وطَريقة الله تعالى إِهلاكُ المُكذِّبين وتَعذيبهم، وأنَّهم لو آمَنوا بعد نُزول العَذاب لم يَنفَعْهم.
فإن قال قائِل: في رَسْم القُرآن هنا {سُنَّتَ} التاء فيها مَفتوحة والقاعِدة أنها مَربوطة؛ لأنها لمُفرَد.
فالجَوابُ: إن الرَّسْم العُثمانيَّ ليس على القَواعِد المَعروفة الآنَ، بل هو تَوْقيف، وقد اختَلَف العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ: هل يَجِب أن يُرسَم القُرآن بالرَّسْم العُثمانيِّ أو لا يَجِب، أو يُفصَّل بين أن يُلقَّن التلاميذ الصِّغار أو الكِبار؟ على ثلاثة أَقوال:
القَوْل الأوَّل: إنه لا يَجوز أن يُرسَم القُرآن إلَّا بالرَّسْم العُثمانيِّ على كل حال، حتى وإن كُنتَ تُعلِّم الصِّبيان فعلى الرَّسْم العُثمانيِّ، فتكتُب: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣] تُكتَب: {الصَّلَاةَ} بالواو، حتى وإن كُنتَ تُدرِّس صَبِيًّا اتِّباعًا للرَّسْم {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فـ {الزَّكَاةَ} بالواو، و {الصَّلَاةَ} بالواو؛ لأن هذا هو الرَّسْم العُثمانيُّ.

الصفحة 555