كتاب تفسير العثيمين: غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمَين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
إن العِلْم يَحتاج إلى مُكابَدة وإلى مُثابَرة وإلى دأَبٍ وكلَّما عوَّد الإنسان نفسَه على ذلك اعتاده وصار أَمْرًا سهلًا عليه.
أمَّا إذا ركَنَ إلى الكَسَل والدَّعة والسُّكون فإنه يَصعُب عليه جِدًّا أن يَكون مجُتَهِدًا؛ لأن النفس وما تَعوَّدت، والإنسان في طلَب العِلْم كالمُجاهِد في سبيل الله في إعداد العُدَّة؛ لأن الله تعالى جعَل الجِهاد في سبيل الله والعِلْم عَديلَيْن؛ حيث قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢]، يَعنِي: لا يُمكِن أن يَخرُجوا جميعًا في الجِهاد، {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢] يَعنِي: وقعَدَت طائِفة {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} {لِيَتَفَقَّهُوا} الفاعِل همُ الفِرْقة الباقِية {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، بل قال بعضُ العُلَماء رَحِمَهُمْ اللَّهُ: إن طلَب العِلْم أَوكَدُ من الجِهاد في سبيل الله؛ لأن طلَب العِلْم يَنبَني عليه الجِهاد والعِلْم لا يَنبَني على الجِهاد، بل إن المُجاهِد لا يُمكِن أن يُجاهِد على الوجه الصحيح إلَّا بطلَب العِلْم؛ فلِهَذا كان أَوكَدَ.
إِذَنْ: فبَقاء الإنسان يُطالِع ويُراجِع ويُذاكِر ويَحفَظ في العِلْم الشَّرْعيِّ هو كالمُجاهِد في سبيل الله سَواءً بسَواءٍ.
الصفحة 7
588