كتاب تفسير العثيمين: غافر
لأن مَن لم يُطبِّق فليس بفِقيه؛ بل هو قارِئ؛ ولهذا حذَّر عبدُ الله بن مسعود - رضي الله عنه - من أن يَكثُر القُرَّاء ويَقِلَّ الفُقَهاء (¬١)، فالفَقيه في دِين الله هو الذي يَعلَم شريعة الله ثُم يُطبِّقها على - نفسه وعلى غيره، بقَدْر استِطاعته.
وطالب العِلْم عليه مَسؤُولية كبيرة؛ لأنه واسِطة بين الخَلْق وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ إنَّه يَنقُل شريعة الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى أُمَّته؛ ولهذا يَجِب أن يَكون أُسْوة حسَنة في عِباداته وأخلاقه ومُعامَلاته؛ لأنه إذا كان أُسوة حَسَنة في ذلك، فقد أَثمَر العِلْم في حقِّه ثمَراته الجَليلة، ولأنه إذا كان أُسوة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أَحبَّه الناس وأَلِفوه، واقتَدَوْا به، وصار إمامًا، وإن لم يَكُن إمامًا كبيرًا؛ لكنه إمام بحَسَبِ حاله، وكلَّما ازداد الإنسانُ عِلْمًا وتَمَسُّكًا بما علِم، ازداد احتِرام النَّاس له، واقتِداؤُهم به، وجَعْلهم إيَّاه أُسوةً.
ثُم إن طالِب العِلْم يَجِب عليه الإخلاصُ لله عَزَّ وَجَلَّ في طلَبه؛ لأن الإخلاص هو أهمُّ شيء، وهو الذي يَكون به تَحقيق ما أَراده العَبْد، والإخلاص لله في طلَب العِلْم أَشار الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلى شيء منه، فقال: العِلْم لا يَعدِله شيء لمَن صحَّتْ نِيَّته. قالوا: وبِمَ تَصِحُّ النِّيَّة؟ قال: يَنوِي بذلك رَفْع الجَهْل عن نَفْسه وعن غيره (¬٢).
وهذا لا شكَّ أنه تَصحيح النِّيَّة، لكنه ليس كلُّه، أو ليس كلُّه تَصحيحَ النِّية، بل هناك أَشياءُ تَجِبُ مُلاحظُتها أيضًا، وذلك بأن يَنوِيَ بطلَب العِلْم امتِثال أَمْر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن الله أَمَر بالعِلْم، ورغَّب فيه، فقال تَعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ (١/ ١٧٣، رقم ٧٧)، والدارمي في السنن رقم (١٩١، ١٩٢).
(¬٢) انظر الفروع لابن مفلح (٢/ ٣٣٩).
الصفحة 9
588