كتاب تفسير العثيمين: الشورى

قد يقولُ قائلٌ مثلًا: الدليلُ أنَّ أسلوبَ الآياتِ المدنيَّةِ يختلفُ عن أسلوبِ الآياتِ المكِّيَّةِ. نقولُ: هذا لا يكفي.
وقد يقولُ قائلٌ مثلًا: الدليلُ على الإستثناءِ أنَّ هذه الآياتِ تبحثُ في فروعِ الدِّينِ وهذه علامةٌ على أنَّها مدنيةٌ؛ لأنَّ غالبَ السُّوَرِ المكِّيَّةِ تبحثُ في أصولِ الدِّينِ.
نقولُ: هذا ليس بدليلٍ، وعلى هذا فالأصلُ أنَّ هذه السُّورةَ مكِّيَّةٌ بجميعِ آياتِها حتى يَقُومَ دليلٌ واضحٌ على أنَّ هذه الآياتِ التي استثناها المُفسِّر مدنيَّةٌ، ثم اعلمْ أنَّ جميعَ السُّوَرِ المبدوءةِ بالحروفِ الهجائيَّةِ مكِّيَّةٌ إلَّا سورتيْنِ هما: البقرةُ وآلُ عمرانَ والباقي كُلُّه مَكِّيٌّ.
ثم قال المُفسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [ثلاثٌ وخمسون آيةً] الآيةُ هي عِبارةٌ عن جُملةٍ من القرآنِ الكريمِ انفصلتْ عمَّا قبْلها انفصالًا توقيفيًّا، يَعني أنَّ الآياتِ فُصِلَتْ هذه عن هذه بالتوقيفِ، وليس تابعًا للمعنى؛ ولهذا تجدون قولَ اللهِ تبَارَكَ وَتَعَالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: ٤ - ٥] هاتانِ آيتانِ، مع أنَّ {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} مرتبطةٌ تمامًا بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}.
المهمُّ: أنَّ فصلَ آيةٍ عن آيةٍ إنما هو بالتوقيفِ، كذلك أيضًا وَضْعُ الآياتِ بعضِها إلى بعضٍ هو أيضًا توقيفيٌّ، ليس للرأيِ فيه مجالٌ، وليس لأحدٍ فيه أيُّ عملٍ، بل هو توقيفيٌّ، إذا نزلتِ الآيةُ قال النَّبِيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم -: "ضعوا هذه الآيةَ في مكانِ كذا من سورةِ كذا" (¬١). فصار الآن فَصْلُ الآياتِ عن بعضِها البعضِ ترتيبُها توقيفيٌّ.
---------------
(¬١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٥٧)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٨٦)، من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

الصفحة 10