{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادَلةِ: ١]؟ اللهُ في السماءِ على العرشِ، والمكانُ الذي كانت هذه تشتكي فيه في الأرضِ، تقولُ عائشةُ - رضي الله عنها -: الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصواتَ لقد كانت تجادلُ الرسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وإني لفي الحُجْرَةِ يخفى عليَّ بعضُ حديثِها (¬١)، وهي في الحجرةِ واللهُ عَزَّ وَجَلَّ لم يَخْفَ عَلَيْهِ شيءٌ، سَمِعَ المجادِلَةَ، وسمعَ التحاوُرَ، وأَنْزَلَ حلَّ المُشْكِلةِ.
إذن السمعُ بمعنى: سَمْعُ الإدراكِ شاملٌ لكلِّ صوتٍ، ثم هذا السمعُ إما أن يكونَ للتأييدِ، أو للتهديدِ، أو للإحاطةِ، ثلاثةُ أقسامٍ:
الأول: التأييدُ: مِثْلُ قولِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لموسى وهارون: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] لماذا قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْمَعُ وَأَرَى} تأييدًا لهما. يعني أَسْمَعُ ما تقولان وما يقالُ لكما، والأمرُ أَمْرُهُ عَزَّ وَجلَّ. هذا سماعٌ يُرادُ به التأييدُ.
الثاني: ما يُرادُ به التهديدُ: مِثْلَ قولِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزُّخرُفِ: ٨٠] ليس المرادُ بهذه الآيةِ مُجَرَّدَ أن اللهَ يُخْبِرُ أنه يَسْمَعُ سِرَّهم ونجواهم، المرادُ بذلك التهديدُ، ونظيرُ هذا قولُهُ تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آلِ عمرانَ: ١٨١]، فهذا تهديدٌ، بدليلِ قولِهِ: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آلِ عمرانَ: ١٨١].
الثالثُ: الإحاطةُ: أن يُخْبِرَ مِثْلَ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هذا إخبارٌ بأنه تعالى
---------------
(¬١) علقه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، (٩/ ١١٧). ووصله الإمام أحمد (٦/ ٤٦)، والنسائي: كتاب الطلاق، باب الظهار، رقم (٣٤٦٠)، وابن ماجه: في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، رقم (١٨٨).