كتاب تفسير العثيمين: الشورى

وقولِهِ: {وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} المرادُ بهم الأنبياءُ والرسلُ، قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{اللَّهُ} فاعلُ الإيحاءِ] لو قال: فَاعِلُ {يُوحِي} كان أَحْسَنَ من حيث البيانُ الإعرابيُّ، فعلى هذا نقولُ: {يُوحِي} فعلٌ مضارعٌ، و {اللَّهُ} فاعلٌ: يوحي اللهُ.
فـ {اللَّهُ} هو عَلَمٌ على ربِّنَا عَزَّ وَجَلَّ قيل: وأصلُهُ (الإلهُ) فحُذفت الهمزةُ؛ لكثرةِ الإستعمالِ كما حُذفت الهمزةُ من خيرٍ وشرٍّ في قولهم: فلانٌ خيرٌ من فلانٍ، أو فلانٌ شرٌّ من فلانٍ، والتقديرُ: أَخْيَرُ وَأَشَرُّ.
{اللَّهُ} معنى هذه الكلمةِ العظيمةِ قيلَ: إنه اسمٌ جامدٌ ليس له معنًى فهو غيرُ مشتقٍّ، لكن هذا القولَ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: ١٨٠]، والإسمُ المجرَّدُ عن معنًى لا يَدْخُلُ في الحسنى، بل ولا في الحَسَنِ، فكلُّ اسمٍ من أسماءِ اللهِ، فإنه متضمنٌ لصفةٍ من صفاتِ اللهِ أو أكثرَ، وليس في أسماءِ اللهِ اسمٌ جامدٌ لا يحملُ معنًى أبدًا، وعلى هذا فنقول: اللهُ مشتقٌّ من الألوهيَّةِ، والألوهيَّةُ هي: التذلُّلُ للمألوهِ مع المحبَّةِ والتعظيمِ؛ إذنْ فاللهُ بمعنى المتألَّهِ إليه حبًّا وتعظيمًا.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{اللَّهُ الْعَزِيزُ} قال: في مُلْكِه، {الْحَكِيمُ} الحكيمُ في صُنْعِه].
أولًا: قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْعَزِيزُ} في مُلْكِه] لكنْ لم يفسرْ معنى العزَّةِ، العزيزُ في الأصلِ: الغالبُ، العزيزُ يعني: الغالبَ القاهرَ لمن سِوَاه عَزَّ وَجَلَّ، واستمعْ إلى قولِ اللهِ تعالى عن المنافقين: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨]، يريدون بالأعزِّ أَنْفُسَهُمْ، ويريدون بالأذلِّ الرسولَ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم - وأصحابِهِ.

الصفحة 16