كتاب تفسير العثيمين: الشورى

قال اللهُ ردًّا عليهم: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨]؛ أي: للهِ الغلبةُ ولرسولِهِ وللمؤمنين، وتَأَمَّلْ قولَهُ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} ولم يَقُلْ: واللهُ الأعزُّ، مع أنهم هم يقولون: الأعزُّ والأذلُّ، لم يَقُلْ: واللهُ أعزُّ قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ}؛ لأنَّه لو قال: واللهُ هو الأعزُّ لأثبت للمنافقين عزةً مفضولةً، لكنَّ الحقيقةَ أنه لا عِزَّةَ للمنافقِ، بل هو مغلوبٌ دائمًا، بل حالُهُ تَدُلُّ على أنه مغلوبٌ؛ لأَنَّه مختفٍ جبانٌ يُظْهِرُ أنه مُسْلِمٌ وليس بمُسْلِمٍ.
ولهذا نقولُ: إن الكافرين الْخُلَّصَ الصرحاءَ أشجعُ من المنافقين؛ لأنَّهم يُصَرِّحُون ويُعْلِنون، أمَّا المنافقُ فذليلٌ يُظْهِرُ الإسلامَ خوفًا من المسلمين ويُبْطِنُ الكفرَ؛ لأنَّه كافرٌ، والعياذُ باللهِ.
مسألة: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النِّساء: ١٤٥] لا تدلُّ على أنَّ غيْرَهم لا يكونُ فيها، كما لو قلتَ مثلًا: فلانٌ في بيتِ فلانٍ، لا ينافي أن يَكُونَ أحدٌ في هذا البيتِ.
الخلاصةُ: {الْعَزِيزُ} المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لم يُبَيِّنْ معناها، فنقولُ: العزَّةُ يعني: الْغَلَبَةَ.
{الْحَكِيمُ} يقولُ المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [في صُنْعِه]، وهذا ناقصٌ جدًّا؛ لأنَّ حِكْمَةَ اللهِ تعالى في صُنْعِه وفي شَرْعِه، فهو حكيمٌ في صُنْعِه؛ أي: في خَلْقِه، وهو حكيمٌ في شَرْعِه.
واقرأْ قولَ اللهِ تعالى في سورةِ المُمْتَحَنَةِ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] كُلُّ هذه أحكامٌ شرعيَّةُ، ثم قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

الصفحة 17