كتاب تفسير العثيمين: الشورى

هذا العملَ مقرونٌ بِذِكْرِ كلِّ حَصاةٍ ترميها تقولُ: اللهُ أكبرُ. مقرونٌ أيضًا باتباعِ، كلِّ حصاةٍ ترميها وأنت تَشْعُرُ أنك متبِّعٌ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
ونقولُ: إنَّ قَصْرَ المُفسِّر (الحكيمَ) على حِكمةِ الصنعةِ قاصرٌ بلا شكَّ، فهو حكيمٌ في صُنْعِه، وحكيمٌ في شَرْعِه تبَارَكَ وَتَعَالَى.
ولا بُدَّ أن نَعْرِفَ ما هي الحكمةُ؛ يقولُ العلماءُ: إن الحكمةَ هي وَضْعُ الأشياءِ في مواضِعِها؛ بمعنى: أنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا خَلَقَ شيئًا، أو شَرَعَ شيئًا، فإنه في مكانِهِ اللائقِ به؛ ولهذا قال بعضُ السَّلَفِ: إنَّ اللهَ تعالى لم يأمُرْ بشيءٍ فيقولُ العقلُ: ليته لم يَأْمُرْ به، ولم يَنْهَ عن شيءٍ فيقولُ العقلُ: ليْتَه لم يَنْهَ عنه، فكلُّ ما ثَبَتَ بالشرعِ فإنه لا ينافي العقلَ، بل إن العقلَ يؤيِّدُ ويَشْهَدُ بصِحَّتِه.
فالحكيمُ إذن هو واضعُ الأشياءِ مواضِعَها، سواءٌ الشرعيَّةُ أو الكونيَّةُ، فما أمرَ اللهُ بشيءٍ فقال العقلُ: ليْتَه لم يَأْمُرْ به، وما نهى عن شيءٍ فقال العقلُ: ليته لم يَنْهَ عنه.
أمَّا في الأمورِ الكونيَّةِ؛ فإن اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى ربَّما يُقَدِّرُ أشياءَ تظنُّها فسادًا فإذا بها تكونُ صلاحًا وخيرًا، قال اللهُ تبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩]، فاللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد يُقَدِّرُ أشياءَ إذا نَظَر إليها الإنسانُ أوَّلَ وَهْلَةٍ قال: هذه لا فائدةَ فيها. أو قال: هذه مُضِرَّةٌ، لكنْ إذا تأمل وجد أن الحكمةَ تقتضي ذلك.
وأنت أيها العبدُ إذا آمنْتَ أن اللهَ حكيمٌ في شرْعِه وحكيمٌ في خَلْقِه، فإنه لا يبقى لك شَكٌّ في أن ما شَرَعَه خيرٌ، ومما قَدَّرَه خيرٌ.
وللحكيمِ معنًى آخرُ غيرُ الحكمةِ، وهو الحاكمُ؛ لأنَّ هذه المادةَ (حاء) (كاف)

الصفحة 19