كتاب تفسير العثيمين: الشورى

(ميم) تدلُّ على المَعْنيَيْن: على الحكمةِ وعلى الحُكْمِ، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الحاكمُ، يَحْكُمُ في الناسِ ويَحْكُمُ بين الناسِ، يَحْكُمُ في الناسِ بما يُلْزِمُهُم به من الأحكامِ الشرعيَّةِ، ويَحْكُمُ بَيْنَ الناسِ فيما يختصمون فيه، فهو الحاكمُ وحُكْمُهُ مبنيٌّ على العدلِ التَّامِّ لا ظُلْمَ ولا جَوْرَ، لا بالنسبةِ لما يَحْكُمُ فيه بين النَّاسِ، ولا بالنسبةِ لما يُحْكَمُ به في الناسِ، كُلُّه عدلٌ، كلُّهُ خيرٌ. إذن الحكيمُ له معنًى آخرُ: الْحُكْمُ.
والحُكْمُ ينقسمُ إلى: حُكْمٍ قَدَرِيٍّ، وحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، ولهذا إذا أُصيبَ الإنسانُ بمصيبةٍ قال: هذا حُكْمُ اللهِ. هذه اللغةُ تعبيرٌ عامِّيٌّ، هذا حُكْمُ اللهِ، يعني القَدَرِيَّ، لكنْ إذا قيل له: يجبُ عليك كذا وكذا قال: لماذا يَجِبُ؟ قال: هذا حُكْمُ اللهِ الشرعيُّ، وكلاهما في القرآنِ.
فمن الأولِ - أعني الحُكْمَ الْقَدَرِيَّ - قولُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن أخي يوسفَ: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: ٨٠]؛ أي: يُقَدِّرُ لي، لم يَقُلْ: يَحْكُمُ فيَّ، قال: {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}، فالحُكْمُ هنا قَدَرِيٌّ.
ومثالُ الثاني - الحُكْمِ الشرعِيِّ - قولُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حينما ذَكَرَ أحكامَ الكافرات اللاتي يأتين من الكفارِ إلى المؤمنين قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ١٠]، أي: حُكْمَ اللهِ الشرعيَّ.
والفَرْقُ بين الحُكْمِ القَدَريِّ والشرعيِّ أن الحُكْمَ القدريَّ يكونُ فيما يرضاه اللهُ وفيما لا يرضاه اللهُ، الحكمُ الكونيُّ يكون فيما يرضاه الله وما لا يرضاه الله، يسرقُ الرجلُ، يزني، يشربُ الخمرَ، هذا حُكْمُ اللهِ القدريُّ، وهذا لا يرضاه اللهُ، يصلي الإنسانُ، يتصدقُ، يصومُ، يَحُجُّ، هذا حكمُ اللهِ الْكَوْنِيُّ، يرضاه الله، إذن الحكمُ الكونيُّ أو القدريُّ إن شئتَ يكون فيما يرضاه الله وما لا يرضاه.

الصفحة 20