كتاب تفسير العثيمين: الشورى

أما الحكمُ الشرعيُّ فلا يكونُ إلا فيما يرضاه اللهُ، فلا يُحَرِّمُ اللهُ شيئًا إلا وهو يرضى ألا يَكُونَ، ولا يُوجِبُ شيئًا إلا وهو يرضى أن يكونَ.
كذلك أيضًا فَرْقٌ آخرُ: الحكمُ الكونيُّ - أو القدريُّ والمعنى واحدٌ - لا بد من وقوعِهِ، إذا حَكَمَ اللهُ بشيءٍ كونًا أو حَكَمَ به لا بُدَّ أن يَقَعَ، أمَّا الحُكمُ الشرعيُّ فقد يقعُ وقد لا يقعُ، وليس كلُّ النَّاسِ ملتزمين بأحكامِ اللهِ الشرعيَّةِ. فهذان فَرْقَانِ بَيْنَ الحكمِ الكونيِّ والحكمِ الشرعيِّ، وكلاهما يتضمنُه قولُهُ تعالى: {الْحَكِيمُ}.

من فوائدِ الآياتِ الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ قدرةِ اللهِ تبَارَكَ وَتَعَالى حيث إن كلامَه المُنَزَّلَ على نبيِّه من الحروفِ التي يتكلمُ بها النَّاسُ، ويركِّبُون منها كلامَهم ومع ذلك أَعْجَزَهُم، وجْهُ الدلالةِ {حم (١) عسق}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ نُبُوَّةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِهِ: {يُوحِي إِلَيْكَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ النبوةِ في الأممِ السَّابقةِ؛ لقولِهِ: {وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ هذين الإسميْنِ للهِ عَزَّ وجَلَّ وهما: العزيزُ والحكيمُ، واعلمْ أن أسماءَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا بُدَّ أن تتضمَّنَ شيئيْن:
الأول: ثبوتُ ذلك اسمًا للهِ تبَارَكَ وَتَعَالَى فمثلًا العزيزُ الآنَ نحنُ نَشْهَدُ أنَّ من أسماءِ اللهِ العزيزِ، كذلك نَشْهَدُ أن من أسماءِ اللهِ الحكيمُ.
والثاني: الصفةُ التي دلَّ عليها هذا الإسمُ فمثلًا العزيزُ دلَّ على العِزَّةِ، والحكيمُ على الحكمةِ، لا بُدَّ لكلِّ اسمٍ من هذين.
قد يتضمَّنُ الإسمُ شيئًا ثالثًا: وهو الفعلُ المترتِّبُ على ذلك، وإن شئْتَ فَقُلْ:

الصفحة 21