كتاب تفسير العثيمين: الشورى

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: ٥]، فإذا جاءتْ بالإفرادِ فالمرادُ الجنسُ، وإذا جاءتْ بالجمْعِ فالمرادُ العددُ، والسَّمواتُ عددُها سبعٌ، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون: ٨٦].
والأَرَضُونَ لم تأتِ في القرآنِ إلا مفردةً باعتبارِ الجنسِ، ولكنَّ القرآنَ أشار إلى أنها سبعٌ في قولِهِ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢]، والمثليَّةُ لو نَزَّلْتَهَا على الكيفيةِ لا تصحُّ؛ لأنَّ السَّماءَ أعظمُ وأوسعُ. إذن لم يبق إلا أن نُنْزِلَها على الكمِّيَّةِ، فيكونُ المعنى {مِثْلَهُنَّ} يعني في العددِ سبعُ أَرَضِينَ، وقد جاءتِ السُّنَّةُ بلفظِ السَّبْعِ فقال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ -: "مَنِ اقتطعَ شِبْرًا مِنَ الأرضِ ظُلْمًا طَوَّقَه اللهُ به يومَ القيامةِ من سبْعِ أَرَضِينَ" (¬١)، وهذا نصٌّ صريحٌ.
وكذلك أيضًا يُرْوَى عنه عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنه كان يقولُ إذا أقبل على البلدِ: "اللهُمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ وما أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الأرَضينَ السَّبْعِ وما أَقْلَلْنَ" (¬٢). فهي سبعُ أرَضينَ، ولكن كيف هي سبعُ أرَضينَ؟ هل المعنى أنها سبعةُ أقاليمَ أو سبعُ قارَّاتٍ أو ماذا؟
نقولُ: هي سَبْعُ أرَضين طباقًا، كما أن السَّمواتِ سبعٌ طباقٌ، كذلك الأرَضون سبعٌ طباقٌ، ويدلُّ لهذا أن النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - قال: "طُوِّقَهُ يومَ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، رقم (٢٤٥٢، ٢٤٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠)، من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه -.
(¬٢) أخرجه النسائي في الكبرى رقم (٨٧٧٦)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (٢٥٦٥)، وابن حبان في صحيحه رقم (٢٧٠٩)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص: ٤٧٢)، والحاكم (٢/ ١٠٠)، من حديث صهيب - رضي الله عنه -.

الصفحة 24