قرؤوا كتابَ اللهِ وسُنَّةَ رسولِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وقولُهُ: {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ} هذه الجملةُ مؤكَّدَةٌ بمُؤَكِّدَيْنِ: الأوَّلُ: {أَلَا}؛ لأنَّ {أَلَا} هنا للتَّنبيهِ، والتَّنبيهُ يقتضي التَّوكيدَ، والمؤكِّدُ الثَّاني: {إِنَّ الظَّالِمِينَ} (إنَّ)؛ لأنَّ إنَّ حَرْفُ توكيدٍ {فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أي: دائمٍ، والعياذُ باللهِ.
من فوائد الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ من أَضَلَّه اللهُ فلا أَحَدَ يَهْدِيهِ، مهما كانت منزلةُ هذا الَّذي حاول أن يَهْدِيَه؛ لقولِهِ: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} [الشُّورَى: ٤٤]، ويَشْهدُ لهذا الحُكْمِ العظيمِ المخوفِ ما جرى للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع عمِّه أبي طالبٍ.
أبو طالبٍ شقيقُ أبي الرَّسولِ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - كان يَنْصُرُ الرَّسولَ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - ويَحُوطُه ويدافعُ عنه، ولمَّا حَضَرَتْه الوفاةُ كان عنده النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - ورجلان من قريشٍ فكان يَعْرِضُ عليه الإسلامَ يقولُ: "يا عمُّ قلْ: لا إلهَ إلَّا اللهُ كلمةً أحاجُّ لك بها عند اللهِ"، فقال له الرَّجلان: أترغبُ عن ملَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وهي مِلَّةُ الكُفْرِ والشِّرْكِ فأعاد عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فأعاد فكان آخِرُ ما قال: هو على ملَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ (¬١). نسألُ اللهَ العافيةَ والسَّلامةَ، مع محبَّتِهِ للرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - وشهادتِهِ له بالرِّسالةِ لكنَّه لم يُذْعِنْ ولم يَقْبَلْ، فكان آخِرُ حياتِهِ أن قال: (على مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ)، ومات على الشِّرْكِ.
أَذِنَ اللهُ تعالى لرسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ أن يَشْفَعَ له في تخفيفِ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٨٨٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم (٢٤)، من حديث المسيب بن حزن - رضي الله عنه -.