كتاب تفسير العثيمين: الشورى

وتأتي زائدةً كما في قولِ الشَّاعِرِ:
بني غُدانَةَ ما إن أنتم ذهبٌ ... ولا صَرِيفٌ ولكن أنتم الخزفُ (¬١)
(بني غُدانةَ ما إن أنتم ذهب): هذه (إن) زائدةٌ؛ لأنَّها لو حُذِفَتْ لاستقام الكلامُ، لو قيل: بني غُدانةَ ما أنتم ذهب، استقام الكلامُ فهي زائدةٌ.
وتأتي مخفَّفةً من الثقيلةِ بمعنى: أنْ تكونَ هي بمعنى (إنَّ) ولكن خُفِّفَتْ، وفي هذه الحالِ يكونُ اسمُها ضميرَ الشأنِ محذوفًا، والجملةُ الَّتي بعدها تكونُ خبرًا.
هذه أربعة معانٍ لـ (إِنْ).
{إِنْ} بمعنى (ما) {عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} يعني: ما عليك إلَّا البلاغُ وقد بَلَّغَ البلاغَ المُبِينَ وتَعِبَ في ذلك تعبًا عظيمًا، وأُوذِيَ في ذلك أذًى عظيمًا ومع ذلك فهو صابرٌ مُحْتَسِبٌ؛ لأنَّه - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - يَعْلَمُ أنَّ ما أصابه في ذاتِ اللهِ فهو خيرٌ ورِفْعَةٌ، جاهدَ في اللهِ حقَّ جِهادِه وبلْغَ الرِّسالةَ غايةَ البلاغِ، وأُوذِيَ على ذلك ولكنَّه صَبَرَ، وكان يقولُ:
هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ ... وفي سبيلِ اللهِ ما لَقِيتِ (¬٢)
قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وهذا قبل الأمْرِ بالجهادِ] إذن فالآيةُ على كلامِ المفسِّرِ منسوخةٌ.
---------------
(¬١) انظره في: أوضح المسالك (١/ ٢٦٦)، وشرح الأشموني (١/ ٢٥٤)، وهمع الهوامع (١/ ٤٤٩)، غير منسوب.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب من ينكب في سبيل الله، رقم (٢٨٠٢)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين، رقم (١٧٩٦)، من حديث جندب بن سفيان - رضي الله عنه -.

الصفحة 329