كتاب تفسير العثيمين: فصلت

مُقتَرِنينِ، ويأتِيانِ مُنفَصلَيْنِ بعضُهما عنْ بعضٍ؛ فإنِ انفَصلَا فكلُّ واحدٍ مُتضمِّنٌ معنَى الآخَرِ.
فقولُه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، هذا مُنفَرِدٌ عنِ الرَّحيمِ، فيتَضمَّن الصِّفَةَ والفِعلَ؛ أيْ: أنَّ اللهَ تَعالى مَوصوفٌ بِالرَّحمةِ الواسِعةِ، وهوَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يَرحَم -بهذِه الرَّحمةِ- مَنْ شاءَ مِن عِبادِه.
وفي قَولِه: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: ١٠٧]، أيضًا نَقولُ: الرَّحيمُ هُنا تشْملُ الوَصفَ والفِعلَ، لِأنَّها انفردتْ عنِ الرّحمنِ.
أمَّا إذا اجْتَمعَ (الرَّحمنُ والرَّحيمُ) كانتِ الرَّحمنُ للصِّفةِ والرَّحيمُ للفِعلِ، ولهذا جاءتِ الرَّحمُن على وزنِ "فَعلان"، وهذا الوزنُ في اللُّغةِ العَربيَّةِ يَقتَضي الِامتِلاءَ وكَمالَ وتمَامَ الوصفِ الَّذي كانَ مُرادًا؛ فَمثلًا يُقالُ: غضبانُ لمَنِ امْتلَأَ غضَبًا، ويُقالُ: غاضِبٌ لمَنْ كانَ غضَبُه خفِيفًا، وكذَلِك سكْران للمُمتَلِئ سُكْرًا، فكلُّ هذا الوَزنِ يُفيدُ الِامْتِلاءَ والسَّعَةَ.
أمَّا الرَّحيمُ فغُلِّبَ فيها جانبُ الفِعلِ؛ أيْ: إيْصالُ الرَّحمةِ إلى المَرحومِ، ولهذا جاءتْ في القُرآنِ الكَريمِ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]؛ أي: قدْ وَصلَت رحْمتُه إلى المؤمِنين على وجْهٍ مُطلقٍ، أمَّا غيرُ المؤمنينَ فإنَّهُ يَرحمُهُم بالمعنَى العامّ.
وقد ذَكَر بعضُ المُفسِّرينَ: أنَّ الرَّحمنَ أعمُّ منَ الرَّحيمِ، فتَشملُ الكُفَّارَ، أمَّا الرَّحيمُ فهيَ خاصَّةٌ بِالمؤمنينَ، لكنَّ ما ذَكَرتُه أحسن، وقدْ نبَّهَ عليهِ ابنُ القيِّمِ (¬١) رَحِمَهُ اللَّهُ.
وخُلاصةُ ما قُلنا في "الرَّحمَنِ الرَّحيمِ": إمَّا أنْ يُذكَرَ الرَّحمنُ مَع الرَّحيمِ، أو يُفردُ
---------------
(¬١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٥٦).

الصفحة 17