كتاب تفسير العثيمين: فصلت

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: كِفايَةُ اللهِ تَعالَى عَن كُلِّ شَيءٍ بِشهادَتِه لِقولِه: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَهُ: الِاستِدلالُ بِالآثارِ على مُؤَثِّراتِها، وَجهُ ذَلكَ أنَّ اللهَ تَعالَى استدلَّ بِتَمكينِه الرَّسولَ عَلى أَنَّه حَقٌّ، فالإِنسانُ يَستَدِلُّ بِالآثارِ عَلى مُؤَثِّراتِها؛ ولهِذا قيلَ: البَعرَةُ تَدُلُّ عَلى البَعيرِ، وَهذا جَوابٌ مِن أَعرابي سُئِلَ بِما عَرَفتَ رَبَّك؟ فَقالَ عَلى البَديهَةِ: "البعرَةُ تَدُلُّ عَلى البَعيرِ -اختارَ هذا؛ لِأنَّه أَعرابيٌّ ما يَعرفُ إِلَّا الإِبِلَ -والأثَرُ يَدُلُّ عَلى المَسيرِ- إِذا رَأَيتَ مَثلًا صورةَ القَدمِ عَلى الأَرضِ عَرفتَ أَنَّه قد سارَ عَلى هَذا أَحَدٌ -فسَماءٌ ذاتُ أَبراجٍ وأَرضٌ ذاتُ فِجاجٍ وبِحارٌ ذاتُ أَمواجٍ أَلا تَدُلُّ عَلى السَّميعِ البَصيرِ؟ " (¬١)، والجوابُ: بَلَي هذا الأَعرابيُّ استدلَّ بِالآياتِ الآفاقيَّةِ عَلى وُجودِ اللهِ وعَلى قُدرته.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: الحذَرُ مِنَ المُخالَفةِ وهذه فائِدَةٌ تَربَويَّةٌ، تُؤخَذُ من: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فَإِذا عَلِمتَ أَنَّ اللهَ شَهيدٌ عَلى كُلِّ شَيءٍ عَلى نَفسِك أَفعالِك أَقوالِك كُلِّ التَّصرُّفاتِ، فَإِنَّكَ سَوفَ تُراقِبُ الله عَزَّ وَجَلَّ، ومَن لَم يَتَّعظ بِمِثلِ هذه الآيةِ فَإِنَّه لَن يَتَّعِظَ، إِذا عَلِمتَ أَنَّ اللهَ شَهيدٌ عَليكَ في خَلَواتِكَ في وَحدَتِك في جُلوسِكَ مَع أَهلِكَ في جُلوسِكَ مع صَحبِكَ، فَإنَّك سوفَ تُراقِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وهذا هو مَعنَى قَولِ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَن تَعبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَراهُ فَإِن لم تَكن تَراهُ فَإِنَّه يَراكَ" (¬٢).
---------------
(¬١) انظر: زاد المسير (١/ ٢٦٦)، وتفسير ابن كثير (١/ ١٠٦).
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 341