كتاب تفسير العثيمين: فصلت
الزَّكاةِ ... " (¬١)، وهَذا يدُلُّ على أنَّ الزَّكاةَ لا يُخاطَبُ بِأدائِها الإنسانُ إلَّا بعْدَ أنْ يُسلِمَ.
أمَّا إذا قُلنا: إنَّ المُرادَ بالزَّكاةِ زكاةُ النَّفسِ، فإنَّه لا يَرِدُ على هذا إشْكالٌ، لكنْ يَرِدُ على هذا إشكالٌ مِن جِهةِ اللَّفْظِ، وهُو قولُه: {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} فهَلْ زكاةُ النَّفسِ شيْءٌ يُعطَى؟ هذا محَلُّ نظَرٍ؛ ولذَلك الآيةُ فِيها إشْكالٌ، سَواءٌ فسَّرْتها على هَذا أو على هذا، وإذا كانَ فيها إشْكالٌ بيْن معنيَيْن، فإنَّنا نَطْلُبُ المُرجِّحَ. والرَّاجِحُ: أنَّ المُرادَ بها زَكاةُ النَّفسِ، والمَعْنَى: لا يُؤتُون أنفُسَهم زَكاتَها، وفِي الحَدِيثِ: "آتِ نفسِي تقْواها، وزَكِّها أنت خيرُ مَن زَكَّاها" (¬٢)؛ فعلى هذا نرجِّحُ أنَّ المُرادَ بالزَّكاةِ زكاةُ النَّفْسِ، وَيكونُ المَعْنى: لا يُؤتُون أنْفُسَهم زَكاتَها، بلْ يُهمِلُونها ويَغفُلون عنْها.
وقولُه: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} "هُم بالآخِرَة": "بالآخِرَةِ" جارٌّ ومجرُورٌ مُتَعلِّقٌ بـ"كافِرُون"، و"هُم": مُبتَدَأٌ؛ و"هُمْ" هي الثَّانيَةُ، ويقُولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [تَأكيدٌ]؛ أي تَأكِيدٌ لفظيٌّ لـ"هم" الأولَى، والتَّأكِيدُ اللَّفْظيُّ أنْ تُعادَ الكَلِمةُ بِلفْظِها، كما قالَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (¬٣):
ومَا مِنَ التَّوكيدِ لفظِيٌّ يَجِي ... مُكَرَّرًا كقَوْلِكَ ادْرُجي ادْرُجي
وقولُه: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} أي: جاحِدُون لها غيرُ مُؤمِنين بِها، يَقولُون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤] يَعنِي: يَمُوتُ قَومٌ ويَحيا آخرُون وما يُهلِكنا إلَّا الدَّهرُ ولا بَعْثَ ولا حِسابَ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (١٣٩٥)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
(¬٢) أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٢٠٩)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬٣) الألفية (ص: ٤٦).
الصفحة 38