كتاب تفسير العثيمين: فصلت

الأرْضُ؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى قال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧] فَكَان قَبْل خلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ ماءٌ فوْقه عرْشُ الرَّحمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ثمَّ خُلِقتِ الأرْضُ، وقدِ انْدَفعَ مِن هَذا الماءِ بُخارٌ مُتصاعِدٌ كَثِيفٌ صار مِثلَ الدُّخانِ.
وقولُه: [{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا} إلَى مُرادي مِنكُما {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} في مَوضِعِ الحالِ أيْ: طائِعتَيْن أو مُكرَهتيْن {قَالَتَا أَتَيْنَا} بمَن فِينا {طَائِعِينَ}، إلَى آخِرِه. قوْله: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا} هَذا الأمْرُ هَل هُو أمْرُ تَكوِينٍ أو أمْرُ تَكلِيفٍ؟
الجَوابُ: إنْ قُلْنا: إنَّه تكلِيفٌ، لَم يَكُن هُناكَ فرْق بيْن أنْ يكُونَا طائِعتَيْنِ أو مُكرهتَيْن؛ وظاهِرٌ أَنَّه أمْرُ تكلِيفٍ؛ ولِهَذا قال: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
وإنْ قُلنا: إنَّه أمْرُ تَكوِينٍ فإنَّه لا يسْتَقيمُ أنْ يكُونَ طوْعًا أو كرْهًا؛ لأنَّ أمْرَ التَكوينِ كائِن لا مَحالةَ.
فالظاهرُ - واللهُ أعلم - أَنَّه أمْرُ تكلِيفٍ، وللهِ تَعالَى أنْ يُكلِّفَ ما شاء مِن خلْقِه.
يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قَالَتَا أَتَيْنَا} بمَن فِينا {طَائِعِينَ}]، احْتاجَ المُفسِّرُ إلَى أنْ يُقدِّرَ "بمَن فِينا" لِوَجْهيْن:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ {طَائِعِينَ} جمْعٌ، {قَالَتَا} مُثنَّى، ولا مُطابَقةَ بيْن المُثنَّى والجَمْعِ، ولَو أرادَ المُطابَقةَ لقال: "قالَتا أتيْنا طائِعتيْن".
الوَجْهُ الثَّاني: أَنَّه جمَعَه بالمُذكَّرِ العاقِلِ، فكان لا بُدَّ أنْ يُقدَّرَ بـ "مَن فِينا" لِيَدخُلَ فِيهِ العُقَلاءُ، وَيكونُ هَذا مِن بابِ التَّغلِيبِ.
وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [فِيه تَغلِيبُ المُذكَّرِ العاقِلِ] ذَكَرْنا فِيما سبَقَ أنَّه غلَّبَ المُذكَّرَ

الصفحة 75