كتاب تفسير العثيمين: فصلت

"صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي" (¬١).
إذَن: أوَّلُ ما نُفسِّرُ القرآنَ به هو القرآنُ؛ لأنَّ الَّذي فسَّرَه هو الَّذي تَكلَّم به وهو أعلمُ بمُرادِه، ثمَّ بسُنَّة النبيِّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- القوليَّة والفعليَّة؛ لأنّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- أعلمُ الناسِ بكلامِ اللهِ؛ لأنَّه رسولُه.
٣ - ثُمَّ بعدَ ذلكَ بتفسيرِ الصَّحابَةِ - رضي الله عنهم -، وتفسيرُ الصَّحابةِ لا شكَّ أنَّه أَوْلى مِن غيره؛ لأنَّ الصَّحابةَ - رضي الله عنهم - أعلمُ النَّاسِ بِلُغَةِ القرآنِ بلا مُنازِع؛ ولأنَّ القرآنَ نزلَ في عَصرِهم وفي الأحْوالِ الَّتي يعرِفونها.
ولا ريبَ أنَّ المعنَى يُعرَف في الزَّمنِ والحالِ الَّتي نزلَ بها؛ ولهذا يَنقُلون إلَيْنا أسبابَ النُّزولِ في الآياتِ التي نزَلَتْ على سببٍ؛ لأنَّهمْ كانوا يَعلَمون ذلك.
فيُرجَعُ في تفسيرِ القرآنِ -إذا لمْ يُوجَدْ في كتابِ اللهِ أو سنةِ رسولِه- إلى أقوالِ الصَحابةِ.
والصَّحابةُ - رضي الله عنهم - يَختلِفون في فَهْمِ القرآنِ اختِلافًا ظاهرًا، كما يَختَلِفون في مَراتِبهم في الفَضائلِ، كذَلِك أيضًا يَختلِفون في العلمِ وفي تَفسيرِ القرآنِ، ومِنْ أعلَمِهم بالتَّفسيرِ ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - لأنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- دعا له، وقال: "اللَّهمَّ فقِّهْهُ في الدِّينِ وعلِّمْهُ التَّأويلَ" (¬٢)، يعني: التَّفسيرَ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، رقم (٦٣١)، من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه -.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، رقم (١٤٣)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، باب من فضائل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، رقم (٢٤٧٧)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. دون قوله: "وعلمه التأويل"، وأخرجه أحمد (١/ ٢٦٦) بلفظه.

الصفحة 9