كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَنَزَةُ " الْحَرْبَةُ الصَّغِيرَةُ. وَكَأَنَّ حَمْلَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ، فَتُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " أَنَّهَا كَانَتْ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إلَيْهَا " وَالْكَلَامُ عَلَى " الْخَلَاءِ " قَدْ تَقَدَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هَهُنَا مُجَرَّدُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي يُنَاسِبُهُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَمْلِ الْعَنَزَةِ لِلصَّلَاةِ. فَإِنَّ السُّتْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْبَرَاحِ مِنْ الْأَرْضِ، حَيْثُ يُخْشَى الْمُرُورُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ: الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْبُنْيَانِ. وَهَذَا لَا يُنَاسِبُهُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَمْلِ الْعَنَزَةِ. وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ خِدْمَةَ الرِّجَالِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ لِلسَّفَرِ.
فَإِنَّ الْحَضَرَ يُنَاسِبُهُ خِدْمَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ نِسَائِهِ وَنَحْوِهِنَّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: اسْتِخْدَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ النَّاسِ إذَا كَانُوا أَتْبَاعًا، وَأَرْصَدُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ.
وَفِيهِ أَيْضًا: جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمَقْصُودُهُ الْأَكْبَرُ: الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ. وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَفْظٌ يَقْتَضِي تَضْعِيفَهُ لِلرِّجَالِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ؟ فَقَالَ " إنَّمَا ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ " أَوْ قَالَ " ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ "
وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَالسُّنَّةُ دَلَّتْ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ. فَهِيَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ.
وَلَعَلَّ سَعِيدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهِمَ مِنْ أَحَدٍ غُلُوًّا فِي هَذَا الْبَابِ، بِحَيْثُ يَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ فَقَصَدَ فِي مُقَابَلَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا اللَّفْظَ لِإِزَالَةِ ذَلِكَ الْغُلُوِّ وَبَالَغَ بِإِيرَادِهِ إيَّاهُ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ - وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ - إلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَإِذَا ذَهَبَ

الصفحة 102