كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَزَجْرُ النَّاسِ لَهُ مِنْ بَابِ الْمُبَادَرَةِ إلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مُنْكَرًا، وَفِيهِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ عَنْ زَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ عَلَيْهِ الْبَوْلَ أَدَّى إلَى ضَرَرِ بِنْيَتِهِ، وَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بِبَوْلِهِ قَدْ وَقَعَتْ، فَلَا تُضَمُّ إلَيْهَا مَفْسَدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ ضَرَرُ بِنْيَتِهِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا زُجِرَ - مَعَ جَهْلِهِ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ - قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَنْجِيسِ مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِتَرْشِيشِ الْبَوْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تُرِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ الرَّشَاشَ لَا يَنْتَشِرُ وَفِي هَذَا الْإِبَانَةِ عَنْ جَمِيلِ أَخْلَاقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلُطْفِهِ وَرِفْقِهِ بِالْجَاهِلِ.
، " وَالذَّنُوبُ " بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ هَهُنَا: هِيَ الدَّلْوُ الْكَبِيرَةُ، إذَا كَانَتْ مَلْأَى، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تُسَمَّى ذَنُوبًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ، وَالذَّنُوبُ أَيْضًا: النَّصِيبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} [الذاريات: 59] وَلِعَلْقَمَةَ فَحُقَّ لِشَاسٍ مِنْ نَدَاكَ نَصِيبُ، وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهُ، وَلَا يَتَحَدَّدُ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَبْعَةَ أَمْثَالِ الْبَوْلِ.
، وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْ الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ: الِاكْتِفَاءُ بِصَبِّ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ، وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَذُكِرَ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذِكْرُ الْأَمْرِ بِنَقْلِ التُّرَابِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
الصفحة 122
407