كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّ كَوْنَ " السُّنَّةِ " فِي مُقَابَلَةِ " الْوَاجِبِ " وَضْعٌ اصْطِلَاحِيٌّ لِأَهْلِ الْفِقْهِ، وَالْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ غَيْرُهُ، وَهُوَ الطَّرِيقَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ اسْتِمْرَارُهُ فِي كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَيَّنْ حَمْلُ لَفْظِهِ عَلَيْهِ، وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْخِلَافِيُّونَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا وَمَا قَارَبَهُ، أَنْ يُقَالَ: إذَا ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَيُدَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَضْعُ غَيْرَهُ فِيمَا سَبَقَ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ إلَى هَذَا الْوَضْعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ طَرِيفٌ، وَتَصَرُّفٌ غَرِيبٌ، قَدْ يُتَبَادَرُ إلَى إنْكَارِهِ، وَيُقَالُ: الْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي إلَى هَذَا الزَّمَانِ، أَمَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ انْعِطَافُ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى الزَّمَنِ الْمَاضِي: فَلَا، لَكِنَّ جَوَابَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْوَضْعُ ثَابِتٌ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَالْوَاقِعُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي غَيْرُهُ حِينَئِذٍ، وَقَدْ تَغَيَّرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّغَيُّرِ لِمَا وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ طَرِيفًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ - إلَّا أَنَّهُ طَرِيقُ جَدَلٍ لَا جَلَدٍ، وَالْجَدَلِيُّ فِي طَرَائِقِ التَّحْقِيقِ: سَالِكٌ عَلَى مَحَجَّةِ مُضَيِّقٍ، وَإِنَّمَا تَضْعُفُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ إذَا ظَهَرَ لَنَا تَغَيُّرُ الْوَضْعِ ظَنًّا، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالِاقْتِرَانِ: فَهُوَ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " الْفِطْرَةِ " لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ اُسْتُعْمِلَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ، فَلَوْ افْتَرَقَتْ فِي الْحُكْمِ - أَعْنِي أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِفَادَةِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَعْضِهَا لِإِفَادَةِ النَّدْبِ - لَزِمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفِينَ وَفِي ذَلِكَ مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا تَضْعُفُ دَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ ضَعْفًا إذَا اسْتَقَلَّتْ الْجَمَلُ فِي

الصفحة 126