كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)
وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ» ..
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَدِيثُ وَضَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ]
الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا: أَنَّ " الْوَضُوءَ " بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْمَاءِ مُضَافًا إلَى الْوُضُوءِ؟ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ: أَنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْمَاءِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ إلَى الْوُضُوءِ بَلْ إلَى الْجَنَابَةِ.
الثَّانِي: قَوْلُهَا " فَأَكْفَأَ " أَيْ قَلَبَ، يُقَالُ: كَفَأْتُ الْإِنَاءَ: إذَا قَلَبْتُهُ - ثُلَاثِيًّا - وَأَكْفَأْتُهُ أَيْضًا رُبَاعِيًّا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى " قَلَبَ " وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي " قَلَبْتُ ": " كَفَأْتُ " ثُلَاثِيًّا، وَأَمَّا " أَكْفَأْتُ " فَبِمَعْنَى: أَمَلْتُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِسَائِيّ الثَّالِثُ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الْفَرْجِ، لِإِزَالَةِ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْ أَذَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ فِي الِابْتِدَاءِ عَنْ الْجَنَابَةِ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى غَسْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ بَعْدَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ لِلْوُضُوءِ، فَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِهَا، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَلِلْغَسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ، فَهَلْ يَكْتَفِي بِذَلِكَ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلَتَيْنِ: مَرَّةً لِلنَّجَاسَةِ، وَمَرَّةً لِلطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ؟ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا مُطْلَقُ الْغَسْلِ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَكْرَارٍ، فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ: الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَسْلِهِ ثَانِيًا، وَضَرْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ: لِإِزَالَةِ مَا لَعَلَّهُ عَلِقَ بِالْيَدِ مِنْ الرَّائِحَةِ، زِيَادَةً فِي التَّنْظِيفِ.
الرَّابِعُ: إذَا بَقِيَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ، بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْإِزَالَةِ: لَمْ يَضُرَّ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: خِلَافٌ، وَقَدْ يُؤْخَذُ الْعَفْوُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَوَجْهُهُ: أَنْ ضَرْبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لِإِزَالَةِ الْعَيْنِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا
الصفحة 133
407