كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَدِيثُ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ]
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهَا " إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ " هَذَا تَمْهِيدٌ لِبَسْطِ عُذْرِهَا فِي ذِكْرِهَا مَا يَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ وَهُوَ أَصْلٌ فِيمَا يَصْنَعُهُ الْكُتَّابُ وَالْأُدَبَاءُ فِي ابْتِدَاءِ مُكَاتَبَاتِهِمْ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ مِنْ التَّمْهِيدَاتِ لِمَا يَأْتُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُحَسِّنُهُ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنَّ الَّذِي يُعْتَذَرُ بِهِ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمُعْتَذَرِ مِنْهُ: أَدْرَكَتْهُ النَّفْسُ صَافِيَةً مِنْ الْعَتَبِ، وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعُذْرُ اسْتَثْقَلَتْ النَّفْسُ الْمُعْتَذَرَ مِنْهُ، فَتَأَثَّرَتْ بِقُبْحِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْعُذْرُ رَافِعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَأْتِي دَافِعًا.
الثَّانِي: تَكَلَّمُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ الْحَيَاءِ، إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُثْبَتًا، كَمَا جَاءَ «إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ» وَأَمَّا فِي النَّفْيِ: فَالْمُسْتَحِيلَاتُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُنْفَى، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ مُمْكِنًا، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ النَّفْيُ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ مُطْلَقًا، بَلْ وَرَدَ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْحَقِّ، فَبِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ، فَيَعُودُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ إلَى جَانِبِ الْإِثْبَاتِ.
، الثَّالِثُ: قِيلَ فِي مَعْنَاهُ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِيهِ، وَلَا يُبِيحُهُ، أَوْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذِكْرِهِ وَأَصْلُ " الْحَيَاءِ " الِامْتِنَاعُ، أَوْ مَا يُقَارِبُهُ مِنْ مَعْنَى الِانْقِبَاضِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ وَشَرْعَهُ أَنْ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، وَأَقُولُ: أَمَّا تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ ذِكْرِهِ فَقَرِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحْيِيَ مُمْتَنِعٌ مِنْ فِعْلِ مَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ، فَالِامْتِنَاعُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاءِ، فَيُطْلَقُ الْحَيَاءُ عَلَى الِامْتِنَاعِ، إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " أَيْ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِيهِ وَلَا يُبِيحُهُ " فَيُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِهِ، أَنْ يُقَالَ: يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِالْحَيَاءِ عَنْ الْأَمْرِ بِالْحَيَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَيَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَيَاءِ، فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْحَيَاءِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، عَلَى سَبِيلِ إطْلَاقِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَإِذَا صَحَّ إطْلَاقُ الْحَيَاءِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْحَيَاءِ، فَيَصِحُّ إطْلَاقُ عَدَمِ الْحَيَاءِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ تُذْكَرُ لِبَيَانِ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنْ الْمَعَانِي، لِيَخْرُجَ ظَاهِرُهُ عَنْ النُّصُوصِيَّةِ، لَا عَلَى أَنَّهُ يَجْزِمُ بِإِرَادَةِ مُتَعَيِّنٍ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَى

الصفحة 137