كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهَا: يُقَالُ " أَجْنَبَ " الرَّجُلُ، وَجَنُبَ بِالضَّمِّ، وَجَنَبَ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ مَرَّ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ " فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ " كَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِقِيَاسٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْوُضُوءَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَكَانَ بَدَلَهُ - وَهُوَ التَّيَمُّمُ - خَاصًّا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْغُسْلِ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ عَامًّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا قَدَّرَ أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فَقَطْ. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَ: أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقِيَاسِ الْخَاصِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْخَاصِّ بُطْلَانِ الْعَامِّ. وَالْقَائِسُونَ لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ كُلِّ قِيَاسٍ، ثُمَّ فِي هَذَا الْقِيَاسِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ - الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ - قَدْ أُلْغِيَ فِيهِ مُسَاوَاةُ الْبَدَلِ لَهُ. فَإِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَصَارَ مُسَاوَاةَ الْبَدَلِ لِلْأَصْلِ مُلْغًى فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الْفَرْعِ. بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إنَّمَا كَانَ يَكْفِي كَذَا وَكَذَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَعَلَهُ لَكَفَاهُ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا: لَوْ كَانَ فَعَلَهُ لَكَانَ مُصِيبًا، وَلَوْ كَانَ فَعَلَهُ لَكَانَ قَائِسًا لِلتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ عَلَى التَّيَمُّمِ لِلْوُضُوءِ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ " اللَّمْسُ " الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عَمَّارٍ هُوَ الْجِمَاعُ: لَكَانَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ مُبَيَّنًا فِي الْآيَةِ. فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَمَرَّغَ، فَإِذَنْ، فِعْلُهُ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَامِلًا بِالنَّصِّ، بَلْ بِالْقِيَاسِ. وَحُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، مَعَ مَا بَيَّنَّا مِنْ كَوْنِهِ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَهُ، لَا بِالنَّصِّ.
الثَّالِثُ: فِي قَوْلِهِ " أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا " اسْتِعْمَالُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْ الْقَوْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ.
الصفحة 147
407