كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّادِسُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ: جَوَازُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَقْسِمَهَا كَمَا أَرَادَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ: لَمْ يَحِلَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِغَيْرِهِ وَأُمَّتِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْغَنَائِمِ بَعْضُهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ " وَأُحِلَّ لَنَا الْخَمْسُ " أَوْ كَمَا قَالَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ فِي صَحِيحِهِ.

[شَفَاعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُظْمَى] 1
السَّابِعُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ " قَدْ تَرِدُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] وَتَرِدُ لِلْعُمُومِ، نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَتَرِدُ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِمْ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسُ خَيْرٌ مِنْ الْحِمَارِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ " لِلْعَهْدِ، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَفَاعَتِهِ الْعُظْمَى، وَهِيَ شَفَاعَتُهُ فِي إرَاحَةِ النَّاسِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ بِتَعْجِيلِ حِسَابِهِمْ، وَهِيَ شَفَاعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَلَا يُنْكِرُهَا الْمُعْتَزِلَةُ. وَالشَّفَاعَاتُ الْأُخْرَوِيَّةُ خَمْسٌ: إحْدَاهَا: هَذِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِصَاصَ الرَّسُولِ بِهَا، وَعَدَمَ الْخِلَافِ فِيهَا، وَثَانِيَتُهَا: الشَّفَاعَةُ فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ مِنْ دُونِ حِسَابٍ، وَهَذِهِ قَدْ وَرَدَتْ أَيْضًا لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَعْلَمُ الِاخْتِصَاصَ فِيهَا، وَلَا عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ. وَثَالِثَتُهَا: قَوْمٌ قَدْ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ، فَيُشْفَعُ فِي عَدَمِ دُخُولِهِمْ لَهَا. وَهَذِهِ أَيْضًا قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ. وَرَابِعَتُهَا: قَوْمٌ دَخَلُوا النَّارَ، فَيُشْفَعُ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْهَا، وَهَذِهِ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ، لِمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ شَفَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا " الْإِخْوَانُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَشْفَعُونَ ". وَخَامِسَتُهَا: الشَّفَاعَةُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ لِأَهْلِهَا. وَهَذِهِ أَيْضًا لَا تُنْكِرُهَا الْمُعْتَزِلَةُ.
فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا: أَنَّ مِنْ الشَّفَاعَةِ مِنْهَا مَا عُلِمَ الِاخْتِصَاصُ بِهِ، وَمِنْهَا: مَا عُلِمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِهِ. وَمِنْهَا: مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا تَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ، فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إعْلَامُ الصَّحَابَةِ بِالشَّفَاعَةِ الْكُبْرَى الْمُخْتَصُّ بِهَا هُوَ، الَّتِي صَدَّرْنَا بِهَا الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ، فَلْتَكُنْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَإِنْ كَانَ لَمْ

الصفحة 153