كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ.
قَدْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ. فَقِيلَ: شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ دَاوُد. وَقِيلَ: إنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ: أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ: قَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ إنْ قِيلَ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَقَدْ كَانَ هَذَا الْفَرْضُ قَائِمًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا سُنَّةٌ، فَلَا يُقْتَلُ تَارِكُ السُّنَنِ. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا عَلَى وُجُوهٍ، فَقِيلَ: إنَّ هَذَا فِي الْمُنَافِقِينَ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجِدَ عَظْمًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» وَهَذِهِ لَيْسَتْ صِفَةَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا سِيَّمَا أَكَابِرُهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ. وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ: كَانَ التَّحْرِيقُ لِلنِّفَاقِ، لَا لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا فِي الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ: فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْرِضًا عَنْهُمْ؛ عَالِمًا بِطَوِيَّاتِهِمْ. كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِضْهُمْ فِي التَّخَلُّفِ، وَلَا عَاتَبَهُمْ مُعَاتَبَةَ كَعْبٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ تَرْكُ مُعَاقَبَةِ الْمُنَافِقِينَ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِهَذَا التَّحْرِيقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَلَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ تَرْكَ عِقَابِ الْمُنَافِقِينَ وَعِقَابُهُمْ كَانَ مُبَاحًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا فِيهِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُنَافِقِينَ، لِجَوَازِ مُعَاقَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ، وَلَيْسَ فِي إعْرَاضِهِ عَنْهُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا طُلِبَ مِنْهُ قَتْلُ بَعْضِهِمْ - " لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ " يُشْعِرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ قَتْلِهِمْ لَكَانَ الْجَوَابُ بِذِكْرِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ. وَمِمَّا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ " إنَّ ذَلِكَ فِي الْمُنَافِقِينَ " عِنْدِي: سِيَاقُ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ. وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ". وَجْهٌ آخَرُ فِي تَقْدِيرِ كَوْنِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ: أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: هَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّحْرِيقِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَتَرْكُهُ التَّحْرِيقَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ هَذَا التَّرْكِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ

الصفحة 194