كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

60 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعُهَا. قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ؟» وَفِي لَفْظٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفَتْ فِيهِ الطُّرُقُ، فَقَدْ يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ، إنْ عُدِمَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ بَعْضِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَبَعْضٍ، وَعُدِمَ إمْكَانُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَذْكُورًا. فَتَرْكُ بَعْضِ الرُّوَاةِ بَعْضَهُ ظَاهِرًا، بِأَنْ يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ. أَعْنِي الْجُمُعَةَ، أَوْ الْعِشَاءَ - مَثَلًا - فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْجُمُعَةُ: لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعِشَاءُ: يَتِمُّ. وَإِذَا تَرَدَّدَ الْحَالُ وَقَفَ الِاسْتِدْلَال.
وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ هُنَا: أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ بِالتَّحْرِيقِ إذَا وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ - وَهِيَ الْعِشَاءُ، أَوْ الْجُمُعَةُ، أَوْ الْفَجْرُ - فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ. فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ: أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَتَرْكِ اتِّبَاعِ الْمَعْنَى. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ» عَلَى عُمُومِ الصَّلَاةِ. فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى اعْتِبَارِ لَفْظِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقِهِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَيُحْمَلُ لَفْظُ " الصَّلَاةِ " عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ التَّحْقِيقُ وَطَلَبُ الْحَقِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَلَقَدْ هَمَمْتُ. .. " إلَخْ. أُخِذَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ. وَسِرُّهُ: أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ بِالْأَهْوَنِ مِنْ الزَّوَاجِرِ اُكْتُفِيَ بِهِ مِنْ الْأَعْلَى.

الصفحة 196