كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)
83 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَأْمُومِينَ التَّطْوِيلُ، وَيُرِيدُونَ التَّخْفِيفَ: يُؤْمَرُ بِالتَّخْفِيفِ. وَحَيْثُ لَا يَشُقُّ، أَوْ لَا يُرِيدُونَ التَّخْفِيفَ: لَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّهُ إذَا عَلِمَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ: أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ طَوَّلَ، كَمَا إذَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ. فَإِنَّ ذَلِكَ - وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ - فَقَدْ آثَرُوهُ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ.
الثَّانِي: التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ: مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ. فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ قَوْمٍ. وَقَدْ يَكُونُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ آخَرِينَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّخْفِيفِ. فَكَأَنَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الصَّحَابَةِ لِأَجْلِ شِدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا. هَذَا إذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَامًّا فِي صَلَوَاتِهِ أَوْ أَكْثَرِهَا. وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِبَعْضِهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْمَأْمُومِينَ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ تَطْوِيلًا بِسَبَبِ مَا يَقْتَضِيه حَالُ الصَّحَابَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَطْوِيلًا لَكِنَّهُ بِسَبَبِ إيثَارِ الْمَأْمُومِينَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: لَا يَقْتَضِي الْخُصُوصَ بِبَعْضِ صَلَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ: يَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ. وَذَلِكَ يَكُونُ: إمَّا لِمُخَالَفَةِ الْمَوْعُوظِ لِمَا عَلِمَهُ، أَوْ التَّقْصِيرُ فِي تَعَلُّمِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الصفحة 229
407