كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [حَدِيثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً]
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ " كَانَ " تُشْعِرُ بِكَثْرَةِ الْفِعْلِ أَوْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي مُجَرَّدِ وُقُوعِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ. فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ. وَالدَّالُّ عَلَى الْمُقَيَّدِ دَالٌّ عَلَى الْمُطْلَقِ، فَيُنَافِي ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَالِكِيَّةِ الذِّكْرَ فِيمَا بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ. وَلَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ ذِكْرٍ آخَرَ مُعَيَّنٍ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ هَذِهِ السَّكْتَةِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ. وَالْمُرَادُ بِالسَّكْتَةِ هَاهُنَا السُّكُوتُ عَنْ الْجَهْرِ، لَا عَنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ، أَوْ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، لَا عَنْ الذِّكْرِ.
وَقَوْلُهُ " مَا تَقُولُ؟ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا فَإِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ بِقَوْلِهِ " مَا تَقُولُ؟ " وَلَمْ يَقَعْ بِقَوْلِهِ " هَلْ تَقُولُ؟ " وَالسُّؤَالُ " بِهَلْ " مُقَدَّمٌ عَلَى السُّؤَالِ " بِمَا " هَاهُنَا. وَلَعَلَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْقَوْلِ بِحَرَكَةِ الْفَمِ. كَمَا وَرَدَ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.
وَقَوْلُهُ " اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ". عِبَارَةٌ: إمَّا عَنْ مَحْوِهَا وَتَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا، وَإِمَّا عَنْ الْمَنْعِ مِنْ وُقُوعِهَا وَالْعِصْمَةِ مِنْهَا وَفِيهِ مَجَازَانِ:
أَحَدُهُمَا: اسْتِعْمَالُ الْمُبَاعَدَةِ فِي تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ، أَوْ فِي الْعِصْمَةِ مِنْهَا. وَالْمُبَاعَدَةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ فِي الْمَكَانِ فِي الْأَصْلِ.
وَالثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُبَاعَدَةِ فِي الْإِزَالَةِ الْكُلِّيَّةِ. فَإِنَّ أَصْلَهَا لَا يَقْتَضِي الزَّوَالَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَهُنَا الْبَقَاءَ مَعَ الْبُعْدِ، وَلَا مَا يُطَابِقُهُ مِنْ الْمَجَازِ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْإِزَالَةُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَكَذَلِكَ التَّشْبِيهُ بِالْمُبَاعَدَةِ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، الْمَقْصُودُ مِنْهَا: تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ أَوْ الْعِصْمَةُ.
وَقَوْلُهُ " اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ - إلَى قَوْلِهِ - مِنْ الدَّنَسِ " مَجَازٌ - كَمَا تَقَدَّمَ - عَنْ زَوَالِ الذُّنُوبِ وَأَثَرِهَا. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْوَانِ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ.
الصفحة 230
407