كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

87 - الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوُضِعَ لَهُ. فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى.
الثَّالِثُ: الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ - هَاهُنَا - الْكَفَّانِ. وَقَدْ اعْتَقَدَ قَوْمٌ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ " الْيَدَيْنِ " يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَاسْتَنْتَجُوا مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَسَوَاءٌ صَحَّ هَذَا أَمْ لَا، فَالْمُرَادُ هَهُنَا الْكَفَّانِ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى بَقِيَّةِ الذِّرَاعِ: لَدَخَلَ تَحْتَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ افْتِرَاشِ الْكَلْبِ أَوْ السَّبُعِ. ثُمَّ تَصَرَّفَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْمُرَادَ الرَّاحَةُ، أَوْ الْأَصَابِعُ. وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يُجْزِهِ. هَذَا مَعْنَى مَا قَالَ.

[كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُود] 1
الرَّابِعُ: قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ. فَإِنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ. فَمَنْ وَضَعَهَا فَقَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ. فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ. وَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى بَحْثٍ أُصُولِيٍّ. وَهُوَ أَنَّ الْإِجْزَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا هَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ، أَمْ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَلْفُوظِ بِهِ، مَضْمُومًا إلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ؟ .
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ: هَلْ هُوَ عِلَّةُ الْإِجْزَاءِ، أَوْ جُزْءُ عِلَّةِ الْإِجْزَاءِ؟ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَشْفَ الرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَدَمَانِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِمَا يُحْذَرُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ عَدَمُ كَشْفِ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَيْهِ دَلِيلٌ لَطِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بِمُدَّةٍ تَقَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ مَعَ الْخُفِّ. فَلَوْ وَجَبَ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ لَوَجَبَ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ. وَانْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ، وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ. وَهَذَا بَاطِلٌ. وَمَنْ نَازَعَ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِنَزْعِ الْخُفِّ، فَيُدَلُّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ الَّذِي فِيهِ «أُمِرْنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا» - إلَى آخِرِهِ ".
فَتَقُولُ: لَوْ وَجَبَ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ لَنَاقَضَهُ إبَاحَةُ عَدَمِ النَّزْعِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا لَفْظَةُ " أُمِرْنَا " الْمَحْمُولَةُ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَأَمَّا الْيَدَانِ. فَلِلشَّافِعِيِّ تَرَدُّدٌ فِي وُجُوبِ كَشْفِهِمَا.

الصفحة 241