كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ بِرَحْمَتِهِ دَافِعٌ لِأَلَمِ الرِّقَّةِ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهَا لِمُجَرَّدِ إيصَالِ النَّفْعِ إلَى الْعَبْدِ. وَأَمَّا " الطَّيِّبَاتُ " فَقَدْ فُسِّرَتْ بِالْأَقْوَالِ الطَّيِّبَاتِ. وَلَعَلَّ تَفْسِيرَهَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ أَوْلَى. أَعْنِي: الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْأَقْوَالِ، وَالْأَوْصَافِ. وَطَيِّبُ الْأَوْصَافِ: بِكَوْنِهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَخُلُوصِهَا عَنْ شَوَائِبِ النَّقْصِ. وَقَوْلُهُ " السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ " قِيلَ: مَعْنَاهُ التَّعَوُّذُ بِاسْمِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ " السَّلَامُ " كَمَا تَقُولُ: اللَّهُ مَعَكَ، أَيْ اللَّهُ مُتَوَلِّيكَ، وَكَفِيلٌ بِكَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ السَّلَامُ وَالنَّجَاةُ لَكُمْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 91] وَقِيل الِانْقِيَادِ لَكَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَلَيْسَ يَخْلُو بَعْضُ هَذَا مِنْ ضَعْفٍ. لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى " السَّلَامُ " بِبَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِكَلِمَةِ " عَلَى ". وَقَوْلُهُ " السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " لَفْظُ عُمُومٍ. وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ: أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ " السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ. السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ " حَتَّى عُلِّمُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ قِبَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ: أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيغَةً.
وَأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْعُمُومِ. كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ، خِلَافًا لِمَنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ. وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَتَصَرُّفَاتِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَنَا. وَمَنْ تَتَبَّعَ ذَلِكَ وَجَدَهُ. وَاسْتِدْلَالُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرٌ لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادٍ لَا يُحْصِي الْجَمْعُ لِأَمْثَالِهَا، لَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا خُصَّ " الْعِبَادُ الصَّالِحُونَ " لِأَنَّهُ كَلَامُ ثَنَاءٍ وَتَعْظِيمٍ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ " دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ كُلِّ سُؤَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: اسْتَثْنَى بَعْضَ صُوَرٍ مِنْ الدُّعَاءِ تَقْبُحُ، مَا لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي امْرَأَةً صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا. وَأَخَذَ يَذْكُرُ أَوْصَافَ أَعْضَائِهَا. وَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الصَّلَاةِ عَلَى

الصفحة 307