كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْكِيدِ، كَمَا يُقَالُ: حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ. وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ. وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ حَدِيثُ " مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ. وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ " وَلَا يُقَاوِمُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ سَنَدِهِ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَرُبَّمَا احْتَمَلَ أَيْضًا تَأْوِيلًا مُسْتَكْرَهًا بَعِيدًا، كَبُعْدِ تَأْوِيلِ لَفْظِ " الْوُجُوبِ " عَلَى التَّأْكِيدِ. وَأَمَّا غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْمُعَارَضَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْوُجُوبِ: فَلَا تَقْوَى دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لِقُوَّةِ دَلَائِلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى الْوُجُوبِ. فَحَمَلَهُ الْمُخَالِفُونَ - مِمَّنْ لَمْ يُمَارِسْ مَذْهَبَهُ - عَلَى ظَاهِرِهِ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْوِي الْوُجُوبَ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَالْمُرَادُ إرَادَةُ الْمَجِيءِ، وَقَصْدُ الشُّرُوعِ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ بِهِ. وَاشْتَرَطَ الِاتِّصَالَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالرَّوَاحِ، وَغَيْرُهُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ. وَلَقَدْ أَبْعَدَ الظَّاهِرِيُّ إبْعَادًا يَكَادُ يَكُونُ مَجْزُومًا بِبُطْلَانِهِ، حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَقَدُّمَ الْغُسْلِ عَلَى إقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، حَتَّى اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَفَى عِنْدَهُ، تَعَلُّقًا بِإِضَافَةِ الْغُسْلِ إلَى الْيَوْمِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: أَنَّ الْغُسْلَ لِإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ. وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. وَكَذَلِكَ أَقُولُ: لَوْ قَدَّمَهُ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَالْمَعْنَى إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَالنَّصِّ قَطْعًا، أَوْ ظَنًّا مُقَارِبًا لِلْقَطْعِ: فَاتِّبَاعُهُ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ. وَقَدْ كُنَّا قَرَّرْنَا فِي مِثْلِ هَذَا قَاعِدَةً، وَهِيَ انْقِسَامُ الْأَحْكَامِ إلَى أَقْسَامٍ:
مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَعْنَى مَعْقُولًا، وَتَفْصِيلُهُ يَحْتَمِلُ التَّعَبُّدَ. فَإِذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ. وَمِمَّا يُبْطِلُ مَذْهَبَ الظَّاهِرِيِّ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي عُلِّقَ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِتْيَانِ أَوْ الْمَجِيءِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى تَوَجُّهِ الْأَمْرِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ. وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْيَوْمِ لَا يَتَنَاوَلُ تَعْلِيقَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ. فَهُوَ إذَا تَمَسَّكَ بِتِلْكَ أَبْطَلَ دَلَالَةَ هَذِهِ

الصفحة 332