كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQخُسِفَتْ، عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخُسُوفِ وَالْكُسُوفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فَقِيلَ: الْخُسُوفُ لِلشَّمْسِ. وَالْكُسُوفُ لِلْقَمَرِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْخُسُوفَ عَلَى الْقَمَرِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا اخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَحَادِيثِ. فَأُطْلِقَ فِيهِمَا الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ مَعًا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ ذَهَابُ النُّورِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْخُسُوفُ: التَّغَيُّرُ، أَعْنِي تَغَيُّرَ اللَّوْنِ.
الثَّانِي: صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَعْنِي كُسُوفَ الشَّمْسِ. دَلِيلُهُ فِعْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا. وَجَمْعُهُ النَّاسَ، مُظْهِرًا لِذَلِكَ. وَهَذِهِ أَمَارَاتُ الِاعْتِنَاءِ وَالتَّأْكِيدِ. وَأَمَّا كُسُوفُ الْقَمَرِ: فَتَرَدَّدَ فِيهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُلْحِقْهَا بِكُسُوفِ الشَّمْسِ فِي قَوْلٍ.
الثَّالِثُ: لَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ اتِّفَاقًا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُنَادَى لَهَا " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " وَهِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: سُنَّتُهَا الِاجْتِمَاعُ. لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي كَيْفِيَّتِهَا: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ. فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ، وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ. وَقَدْ صَحَّ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَقِيلَ: فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ ذَلِكَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا رَكْعَتَانِ، كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. وَاعْتَذَرُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيَخْتَبِرَ حَالَ الشَّمْسِ. هَلْ انْجَلَتْ أَمْ لَا؟ فَلَمَّا لَمْ يَرَهَا انْجَلَتْ رَكَعَ. وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ ضَعْفٌ، إذَا قُلْنَا: إنَّ سُنَّتَهَا رَكْعَتَانِ، كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَإِنْ رَأَى الشَّمْسَ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْتَبِرُ أَمْرَ الشَّمْسِ. فَإِنْ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ. وَيَزِيدُ الرُّكُوعَ هَكَذَا، مَا لَمْ تَنْجَلِ. فَإِذَا انْجَلَتْ سَجَدَ. وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْعِلْمَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ثَلَاثٌ، وَأَرْبَعٌ، وَخَمْسٌ. وَهَذَا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: أَقْرَبُ مِنْ

الصفحة 348