كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

2 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاشِرُ: فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا " مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرُهُ " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " مَنْ لَمْ يَنْوِ الشَّيْءَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ " وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ.
أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَآخِرُهُ يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَعْنِي قَوْلَهُ «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» .

[حَدِيثُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ]
" أَبُو هُرَيْرَةَ " فِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ. وَأَشْهُرُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ. أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَلَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ. وَتُوُفِّيَ - قَالَ خَلِيفَةُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقَالَ الْهَيْثَمُ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَنَةَ تِسْعٍ.
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: " الْقَبُولُ " وَتَفْسِيرُ مَعْنَاهُ.
قَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ بِانْتِفَاءِ الْقَبُولِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ.
وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْقَبُولِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ.
وَقَدْ حَرَّرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذَا بَحْثًا.
؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقَبُولِ قَدْ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ مَعَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ، كَالْعَبْدِ إذَا أَبَقَ لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ، وَكَمَا وَرَدَ فِيمَنْ أَتَى عَرَّافًا.
وَفِي شَارِبِ الْخَمْرِ.
فَإِذَا أُرِيدَ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مِنْ انْتِفَاءِ الْقَبُولِ.
فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِ مَعْنَى الْقَبُولِ، وَقَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ.
يُقَالُ: قَبِلَ فُلَانٌ عُذْرَ فُلَانٍ: إذَا رَتَّبَ عَلَى عُذْرِهِ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ.
وَهُوَ مَحْوُ الْجِنَايَةِ وَالذَّنْبِ.

الصفحة 63