كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ فِيهَا وَاجِبَاتٍ: مِنْ الطَّهَارَةِ، وَالسِّتَارَةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَأَسْقَطَ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ انْكَسَرَتْ سَفِينَةُ قَوْمٍ، أَوْ سَلَبَهُمْ الْمُحَارِبُونَ ثِيَابَهُمْ، صَلَّوْا عُرَاةً بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، وَقَامَ إمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ؛ لِئَلَّا يَرَى الْبَاقُونَ عَوْرَتَهُ.
وَلَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقِبْلَةُ، اجْتَهَدُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهَا. فَلَوْ عَمِيَتْ الدَّلَائِلُ صَلَّوْا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُمْ، كَمَا قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَكَذَا الْجِهَادُ وَالْوِلَايَاتُ وَسَائِرُ أُمُورِ الدِّينِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] (سورة التغابن: من الآية 16) . وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ الْمَطَاعِمَ الْخَبِيثَةَ قَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] (سورة البقرة: من الآية 173) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (سورة الحج: من الآية 78) . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] (سورة المائدة: من الآية 6) . فَلَمْ يُوجِبْ مَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَلَمْ يُحَرِّمْ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ، إذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ بِغَيْرِ معصية من العبد.

الصفحة 128