كتاب الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية

بفضله ورحمته فاستجاب أهل القرية كلهم لدعوتي ولم يشد منهم إلا شيخ الطريقة والعمدة - المرفوت - أي المعزول وخدمهما ولا يزيد عددهم على خمسة عشر وأقمت عندهم أكثر من شهرين ولتفصيل هذه القصة موضع آخر الذي أريد أن أقوله هنا أنني بعد مُضي زهاء أربع سنيين زرت هذه القرية للمرة الثانية فأخبروني أن شيخ الطريقة كان يأتيهم من بلد آخر في بعض الأحيان زاعما أنه يمدهم ويحفظهم والحقيقة أنه يبتز أموالهم ويزيدهم خضوعا إليه ويحافظ عليهم حتى لا يخرجوا من ربقته كما يحافظ الراعي على غنمه فبعد أن هداهم الله إلى توحيده واتباع رسوله الكريم وترك كل بدعة زارهم شيخ الطريقة المذكور وانتظر ما عهد منهم من التعظيم والخضوع من تقبيل اليد والخشوع أمامه والمبادرة إلى تقديم الهدايا النفائس التي تُرضي رغبته وتُشبع نهمته رآهم تلقوه كما يُتَلقَّى الضيف العادي فأنكر ذلك وقال ما أصابكم؟ فقالوا ما أصابنا شيء نحن مستعدون لتقديم كل ما تريده من الطعام والشراب وما يلزم لضيافتك فقال أراكم تبدلتم فقال قائل منهم أي شيء تريد أكثر من الضيافة
أتريد أن نعبدك من دون الله كما كنا نفعل في زمن الجهل والضلالة فقال (يا عكروط) وهو لفظ يُسبُّ به باللغة المصرية ومعناه اللئيم قال أنا قتلت نفسا للمحافظة على بطيخك الذي زرعته بشاطئ فرع النيل، لأن رجلا جاء يسرق بطيخك فوجهت أليه همتي وقتلته. فقال يا سيدنا الشيخ لقد أخطأت في حسابك لأمرين أحدهما أن البطيخ أتت عليه آفة فأهلكته قبل أن يُنتفع به والثاني أني لا أرضى بقتل نفس مسلمة أو كافرة لأجل بطيخة تسرق من مزرعتي فغضب الشيخ وسبهم وانصرف عنهم وكذلك المدد الذي يدَّعيه صاحب الرماح ليثبت به فضيلة لشيخه لا وجود لها في الحقيقة ومن اعتقد أن غير الله يمد القلوب بالهدى والأحوال السنية والمقامات السامية فقد عبد مع الله إلها آخر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة اعظم
يقولون أقوالا لا يعلمونها ... إذا قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
إن المدد الذي ادعاه الشيخ التجاني وتبعه صاحب الرماح سراب بقيعة وخيال باطل وما بني على باطل فهو باطل.
وأما ما ادعاه من التخصيص فإنه إنما يكون ذلك عند أهل الأصول في نصوص كتاب

الصفحة 29