كتاب حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار
فصل في شجاعته صلّى الله عليه وسلّم
وأمّا شجاعته صلى الله عليه وسلم: فقد كان في ذلك بالمكان الّذي لا يجهل «1» .
بذلك وصفه من عرفه، فقد حضر المواقف الصّعبة، وفرّ الكماة منه غير مرّة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يتزحزح، كما سبق في يوم (أحد) ، ويوم (حنين) «2» .
وثبت عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال- وهو البطل المقدام واللّيث الضّرغام-: كنّا إذا حمي الوطيس، واشتدّ البأس، واحمرّت الحدق؛ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم/، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، وكان أشجعنا من كان أقرب إليه «3» .
وسبق قول العّباس رضي الله عنه في يوم (حنين) : وأنا آخذ بلجام بغلته صلى الله عليه وسلم، أكفّها إرادة أن لا تسرع «4» .
وقول البراء بن عازب رضي الله عنهما: لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ، ولقد رأيته على بغلته البيضاء، وابن عمّه أبو سفيان آخذ بلجامها يكفّها وهو يقول:
«أنا النّبيّ لا كذب، ... أنا ابن عبد المطّلب»
فما رئي [من النّاس] يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم «5» .
__________
(1) الشّفا، للقاضي عياض، ج 1/ 235.
(2) الشّفا، للقاضي عياض، ج 1/ 236.
(3) أخرجه مسلم، برقم (1776/ 79) . عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4) أخرجه مسلم، برقم (1775/ 76) .
(5) أخرجه البخاريّ، برقم (2877) .