كتاب حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار

وأفضل موضع في (مكّة) : (الكعبة) ، ثمّ (المسجد) ، ثمّ (دار خديجة) رضي الله عنها، لأنّه أقام فيها نحو ثمانية وعشرين عاما.
وما أحسن قول القاضي عياض- رحمه الله تعالى- في وصف تلك الرّياض- أعني (مكّة والمدينة) -: (وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتّنزيل، وتردّد في عرصاتها «1» جبريل، وعرجت منها الملائكة والرّوح، وضجّت فيها بالتّقديس والتّسبيح، [وانتشر عنها من دين الله وسنّة رسوله ما انتشر] ، مدارس وآيات، ومشاهد الفضل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدّين، ومواقف سيّد المرسلين، حيث انفجرت النّبوّة/ والرّسالة، وفاض عبابها «2» ، وأوّل أرض مسّ جلد المصطفى ترابها؛ أن تعظّم عرصاتها، وتتنسّم «3» نفحاتها، وتقبّل ربوعها وجدرانها) «4» .
وقال القاضي عياض- رحمه الله تعالى- في معنى ذلك شعرا، [من الكامل] «5» :
يا دار خير المرسلين ومن به ... هدي الأنام وخصّ بالآيات
__________
(1) العرصات: (جمع عرصة) ؛ وهي كلّ موضع واسع لا بناء فيه. (أنصاريّ) .
(2) العباب: كثرة الماء والسّيل.
(3) تنسّم: طلب النّسيم واستنشقه. (أنصاريّ) .
(4) الشّفا، ج 2/ 132- 133.
(5) وروي أنّ القاضي عياضا- رحمه الله تعالى- لم يحج ولم يزره صلى الله عليه وسلم، فقال هذه الأبيات متحسّرا.

الصفحة 86